يبدوا أن الأمور بين مصر والجزائر سوف تمضي نحو الأسوأ خلال الأيام القادمة، فلم يعد الأمر مباراة في كرة القدم أو احتكاك بين جماهير متعصبة، فما يبثه الإعلام ،وما يصدر عن مسؤولين حكوميين في كلا البلدين لا يبشر بالخير.
وسواء كان ما يقال صحيح مائة بالمائة أو مبالغ فيه، فإنه يؤشر إلى أن الدولتين ستمضيان بعيدا في القطيعة.
فما أذيع في القاهرة في وسائل الإعلام وعلى ألسنة بعض المسؤولين غاية في الخطورة، فقد أعلن أن الجزائر قامت برعاية حكومية بنقل جماهير من نوعية خاصة باستخدام 18 طائرة عسكرية، ضمن خطة للاعتداء على الجماهير المصرية. بل وأنني سمعت من أحد المراسلين السودانيين أن علب الطعام التي كان يحملها الإخوة الجزائريون كان مكتوبا عليها “وجبة مقاتل”.
هذا الكلام إن صح فهو أمر خطير وسابقة خطيرة في تاريخ العلاقات العربية العربية.
فقيام أحد المشجعين في القاهرة بإلقاء طوبة على حافلة الفريق الجزائري يمكن أن يكون تصرفًا عفويًا من شخص غير مسؤول أو عميل استخدم من قبل جهة ما للوقيعة بين الدولتين. وقيام الجماهير الجزائرية بتدمير شركات مصر للطيران وأراسكوم تيليكوم وغيرها من المصالح المصرية في الجزائر قد تكون تصرفًا عفويًا من الجماهير الغاضبة بعد خسارة فريقها في مباراة القاهرة، وقد تكون الشرطة الجزائرية تفاجأت بهذا الحشد الكبير من الجماهير الذي حطم هذه الشركات فلم تستطع وقفه.
ولكن أن يقال إن فرقًا عسكرية جزائرية أرسلت على متن طائرات عسكرية إلى الخرطوم، وقامت بشراء السكاكين والسيوف الموجودة بها استعدادًا للاعتداء على المصريين، فهذا شيء يجب التوقف عنده والسعي الجدي إلى نفيه أو إثباته، ودون تحيز أو مجاملة وبعيدًا عن المجاملات العربية التي تعلن شيئًا وتخفي أشياءً.
الصور التي بثها التلفزيون المصري مرارًا تبين أن العشرات من المشجعين الجزائريين كانوا يحملون السكاكين داخل الإستاد، وهذا في حد ذاته أمر لا يدين المسؤولين الجزائريين، فقد تكون الجماهير هي التي تصرفت كذلك من تلقاء نفسها، وقد يكون الأمر ناتجًا عن بعض القصور الأمني، ولذلك تبقى القضية الأصلية هي تهمة قيام الحكومة الجزائرية بإرسال عسكريين للخرطوم لضرب المصريين، فهذه المسألة لا بد من حسمها، خاصة وأن هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها حساسيات بين مصر والجزائر على وجه التحديد.
الإعلام العربي تعامل مع الموضوع تحت تأثير المجاملة وعدم الرغبة في إغضاب أي من الدولتين، أو تحت تأثير أن الموضوع مباراة كرة قدم.
ولكن الشيء الذي يدعو للضيق هو أن الجامعة العربية لم تفعل شيئًا حتى الآن سوى الدعوة إلى ضبط النفس، وهذا لا يكفي فإسرائيل نفسها – في مشهد درامي مؤسف ومخجل – دعت الدولتين إلى ضبط النفس. فما هو عمل الجامعة العربية إن لم تسع إلى التعامل سعيًا عمليًا مع مشهد مأساوي كهذا، أليست هيئة إقليمية لها آليات ومكاتب يمكنها التحقيق فيما جرى؟
الذين قالوا إن ما جرى يأتي ضمن مخطط تفتيت الأمة العربية لم يكذبوا ولم يبالغوا، فرائحة المؤامرة واضحة وضوح الشمس، فهناك جهات تسعى جاهدة إلى دفع مصر أبعد وأبعد عن الأمة العربية، وإلى إرباك السعودية وهز أمنها، ثم بعد ذلك لا شيء سيبقى.