أميركا والإرهاب

أميركا والإرهاب

لو أن قطة أميركية قتلت في حادث إرهابي لاكتسى العالم حزنا وحدثت قشعريرة في ظهر الأرض وارتسمت الجدية على وجوه المذيعين وهم يقرأون الخبر الذي وضع في صدر نشرات الأخبار بعد أن بعثت به وكالات الأنباء والإعلام الالكتروني إلى كافة أركان الأرض.
وهذا ليس عيبا في أميركا ولا حقدا منا عليها، فهي الدولة القوية في كل شيء وهي التي تهيمن على أشياء كثيرة من بينها الإعلام وصناعة الرأي العام العالمي وتتغلغل في غالبية دول العالم ولها قدرتها النسبية على سحب هذا العالم إلى الاتجاه الذي تريد، ومن حق كل الذين يعيشون على أرضها أن ينعموا بهذه القوة وأن يكون لهم شأن في العالم حتى وإن كانوا قططا وليسوا بشرا.
وعلى ضوء ذلك، عندما يقع حادث إرهابي في هذا العالم الذي نعيش فيه، يكون السؤال الأهم متعلقا بمن الذي تعرض للإرهاب وليس متعلقا بحجم الحادث نفسه، فقتل أميركي واحد في حادث إرهابي له من الخطورة والأهمية ما يزيد على قتل مائة عراقي في سلسلة من التفجيرات، فالإعلام الأميركي والسياسة الأميركية لهما وزنهما وأهميتهما في هذا الكون، وهما اللذان يقرران إذا كان هذا الحادث أليما أم غير ذلك.
رأينا جميعا كيف فرض الحادث الإرهابي في بوسطن الأميركية نفسه على كل العالم، ورأينا الرئيس الأميركي أوباما يتحدث إلى شعبه بلغة يمتزج فيها الحزن بالقوة والتصميم على الانتقام وإعلاء أميركا وشعبها فوق كل شيء.
ترى ما الذي ستفعله أميركا بكل من له صلة بهذه التفجيرات التي قتلت ثلاثة أفراد؟ وهل ستحاكم المنفذين فقط أم الذي خطط ومول وكل من له صلة؟ وهل ستقبل ضغوطا من أحد عندما يقوم المتورطون أو المدانون بالإضراب عن الطعام في سجونها؟ هل ستقوم الدنيا ولا تقعد عندما تنشر الصحف أن أحد هؤلاء الإرهابيين حالته سيئة؟ وهل ستستمع لنداءات وانتقادات هيومان رايتس ووتش حول وضع هؤلاء القتلة؟ وهل ستقبل أن تقوم أي دولة في العالم بمنح أي حماية أو إقامة لمن قتلوا الأميركيين؟
أعتقد أن الإجابة على كل هذه الأسئلة معروفة، فأمن الولايات المتحدة فوق كل اعتبار، والذين قتلوا الأميركيين أو تسببوا في قتلهم ليسوا أعز من الذين فقدوا حياتهم ظلما، وهذا حق لا ننكره على أميركا ولا على أي دولة في العالم، كبرت أم صغرت؟
نحن لا نؤيد الإرهاب، بل نمقته ونمقت كل من يساعده بالمال أو بالكلمة أو حتى بالصمت تجاهه، ونرفض قتل الأبرياء مهما كان جنسهم أو دينهم، ولكن كل ما نريده من الولايات المتحدة هو أن تتخلص من تناقضها التاريخي الذي هو أكثر شيء يؤثر على صورتها في العالم كله، بخاصة العالم الإسلامي الذي يشعر أن أميركا تكيل بمكيالين وتسمي الأشياء بغير أسمائها في كثير من المواقف.
نريد من أميركا أن تطبق نفس المقياس الذي تطبقه على مواطنيها على بقية الشعوب عندما تقوم بصياغة مواقف معينة تجاه هذه الشعوب، وأن تطبق نفس المقياس على العمليات الإرهابية التي تعرضنا ولا نزال نتعرض لها، نريد أن يكون رجال الشرطة البحرينية الذين قتلوا في حوادث إرهابية لهم نفس الاهتمام والرعاية وألا يتمتع قاتلوهم برعاية منظمات حقوق الإنسان العالمية.