لكل دولة من الدول يوم تاريخى تحتفل به كل عام إحياء لذكراه وتثبيتا لمعانيه الكبيرة فى عقول الشباب جيلا وراء جيل ليكون لهم رمزا وتذكارا للحظات بطولية ذات مذاق خاص. هذا اليوم يسمى يوم الاستقلال أو عيد الاستقلال أو اليوم الوطني أو العيد الوطني حسب وصف كل دولة على حدة.
والأيام الوطنية للدول تصبح مع دوران الزمن ثوابت ومقدسات لا يمكن المساس بها أو تغييرها أو حتى التشويش عليها، لأن ذلك لا يحدث لا قدر الله- في غالب الأحيان – إلا إذا دالت هذه الدولة أو تلك وأصبحت هي نفسها في حكم التاريخ . أما أن يحدث ذلك هكذا عبثا أو تحقيقا لرغبة البعض من أصحاب الأفكار التخريبية، ممن لا يقيمون وزنا لتاريخ الوطن أو مكانته، فهذا تفريط في ثوابت البلد يمكن أن يتفرع منه تفريطات أخرى يوما بعد يوم.
شيء مؤسف حقا أن يكون بيننا من يوظف إمكانياته العقلية وقدراته الابتكارية لافتعال أحداث لا فائدة منها، بل تعود بالضرر الكبير على وحدة الوطن. هذه الابتكارات التي كان آخرها ابتكار الرابع عشر من أغسطس بهدف تفكيك وهدم كل ما اتفق عليه أبناء هذا الوطن من زمن طويل ، حيث المطلوب – بكلمات أخرى- هو ألا يبقى لدينا شيء نتفق عليه بعد أن يتم فك كل عرى الاتفاق عروة عروة.
آخر ما تمخضت عنه عقول مخترعينا لبث الفرقة وقتل الوئام هو اختراع يهدف إلى التشويش على اليوم الوطني لمملكة البحرين وترشيح أياما أخرى بديلة له أو مزاحمة له.
في عام 2009 توصل مخترعونا إلى ضرورة اتخاذ يوم وطني جديد هو يوم 14 أغسطس ابتداء من الشهر الجاري على اعتبار أنه من الأيام الهامة في تاريخ البحرين لأسباب معينة.
أنا لا أريد أن أقلل من أهمية هذا اليوم وما جرى فيه ، ولكنني أرى أن المطلوب من وراء ذلك هو “ حق يراد به باطل”، فالمطلوب أو المبيت من قبل البعض هو اتخاذ هذا اليوم كيوم للمظاهرات والتخريب والاعتداء على ممتلكات المواطنين وتشويه الهوية التاريخية والثقافية لمملكة البحرين وبث الفرقة والخلاف والطائفية بين أبنائها، وكأنه لا يكفى ما يجرى طوال العام من تخريب واعتداء ، وطالما أن هناك من يدافع بكل قوته عن المخربين ويقف دون التعامل معهم بما يستحقون من عقاب، وطالما أن المخربين يسيئون فهم مسالة العفو عنهم في مناسبات سابقة. ذلك العفو الذي أدهش الكثير من أبناء الوطن المخلصين.
كل الشعوب لديها أيام عديدة لها مكانة وأهمية ، ولكنها تتخذ يوما واحدا تسميه اليوم الوطني ولا تسمح بتجاوزه أو تغييره أو النيل منه بأي شكل من الأشكال ، ويكون العقاب هو مصير من يحاول ذلك.
هذه المحاولات الخبيثة من البعض لابد أن تواجه بكل حزم لأن تاريخ الوطن وثوابته ليست لعبة، ولأن التهاون مع هكذا محاولات سيفتح بابا واسعا للهدم وهز كثير من الثوابت. و يجب ألا ننسى أن يوم 16 ديسمبر يشكل يوما كبيرا في تاريخ البحرين ، فهو بداية تاريخ البحرين الحديثة ،و هو بداية البناء والخير والعطاء، ومن يرى غير ذلك هو إنسان ضعيف الانتماء لهذا البلد، هو إنسان ينظر هنا وهناك ويعلى شؤونا أخرى على وطنه الذي تربى فيه.
لو تركنا المجال للأهواء الشخصية والفئوية لتغيير رموز معينة ذات قداسة أو مكانة لدى أبناء الوطن فسنصير أضحوكة الأمم، وقد يأتينا غدا من يريد تغيير علم البحرين، ومن يقول أن “المنامة “ إسم لم يعد يناسب عاصمة البحرين في عصر العولمة ويجب أن نسميها “الحمامة” أو نسميها مدينة الخامس عشر من أغسطس. وهذا ليس على سبيل التفكه أو السخرية ولكن طالما سمحنا بالتشويش على اليوم الوطني للمملكة ، فعلينا أن نقبل بالمزيد.