ضجة عند الحكم و عند البراءة

ضجة عند الحكم و عند البراءة

بداية أعترف أنني اندهشت كغيري من الناس عندما سمعت نبأ براءة المتهمين بقتل الشرطي ماجد أصغر علي، وربما كان تعاطفي أنا وغيري مع هذا الشرطي الذي فقد حياته وهو في مهمة وطنية وتعاطفي مع أسرته هو السبب في هذه الدهشة المؤقتة. ولكنني اندهشت أكثر لهذه الضجة الصحفية والشعبية التي انطلقت خلال الأيام الماضية كرد فعل على صدور هذا الحكم.
عجيب حقا كل هذا الانفعال الناشئ عن قبول أو رفض هذا الحكم.لقد نسينا على ما يبدو أننا نتحدث عن حكم قضائي، وليس عن قضية سياسية أو طائفية يندفع كل حسب هواه ليحشد الحجج والأسانيد التي تنتصر لرأيه أو للفئة التي ينتمي إليها.
يجب أن نتذكر أنه طالما هناك محاكمة، فلابد أن هناك خصمين يريد كل منهما أن يأتي الحكم لصالحه.وبالتالي  فإن المحكمة بالذات جهة لا يمكنها أن تسعد الطرفين المتخاصمين معا،إلا في حالات نادرة جدا ، مثل الإصلاح بين زوجين كانا على وشك الطلاق.
هناك دائما ظالم ومظلوم ،وهناك قاض يحكم بما يتوفر لديه من أدلة وشهادات شهود وتحريات أجهزة الشرطة وغيرها من وسائل التحقق التي تؤدي في النهاية إلى تكوين قناعة معينة وتؤدى إلى صياغة الحكم الذي يستريح إليه ضمير القاضي. وهو حكم كما أسلفنا لن يرضي طرفي النزاع معا في الغالبية العظمى من بني البشر.
وربما لهذا السبب جاءت القاعدة القانونية المعروفة القائلة بأنه لا يحق لأحد التعليق على أحكام القضاء أو رفضها إلا بالمسلك القانوني و من خلال القضاء أيضا.
أما نحن في البحرين ، فقد فتحنا مكلمة وجدلا واسعا حول حكم قضائي صادر عن محكمة أنشأتها الحكومة ، وكان المجني عليه فيها رجل يعمل بجهاز الأمن،أي يعمل بالحكومة.
تعليقات شتى صدرت على مدى الأيام الماضية، بين منتقد للحكم،وبين مؤيد له،وتحولت القضية إلى قضية رأي عام.،وكأن القاضي إنسان عادي نشكره إذا أتى بما يوافق هوانا وننتقده إذا فعل العكس.
القاضي يحكم بما يتوفر لديه من أدلة،وقد يقبل أن يفلت عشرات من العقاب،في مقابل ألا يسجن أو يعدم مظلوم واحد.
الأصل إذن هو تحري الدقة مهما تكلف الأمر،حتى لا يدفع مظلوم ثمن جريمة لم يرتكبها.
فلماذا هذه الضجة المثارة ؟
لقد بلغ الأمر بالبعض أن انتقدوا ما أسموه بجهاز الإعلام الرسمي، لأنه لم يحتف بهذا الحكم ويستغله – حسب رؤيتهم – في دعم الوئام والسلم الأهلي.
وكأن هذا الحكم قرار سياسي أو عفو صادر عن بعض الموقوفين أو المحكوم عليهم.
القضاء طبق قاعدة أصيلة،ولم يقبل أن يعاقب إنسان دون توافر الأدلة الوافية ضده،ولكن يجب ألا ينسى بعضنا،وسط هذه الضجة المسيسة،أن هناك ضحية سقطت بلا ذنب،وأن هناك أم ثكلى وأسرة حرمت من عائلها ،وهناك أيضا مجرم هارب من العقاب حتى اللحظة.
فلماذا إذن الدعوة للاحتفال بحكم قضائي صادر في قضية جنائية بحتة ..الجاني فيها لم ينل عقابه حتى اللحظة.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض،فكأنما قتل الناس جميعا،ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”.صدق الله العظيم.