حوار أم إملاء شروط؟!

حوار أم إملاء شروط؟!

لا بديل للحوار طالما أن هناك قضية خلافية أو تباين في الرؤى حول قضية بعينها؛ لأن الحوار يؤدي إلى التقارب وإلى تفهم كل طرف لرؤى وهموم الطرف الآخر. هذا بشكل عام. إما إذا انتقلنا للشأن البحريني والجدل الدائر حالياً حول الحوار الوطني وكيف يكون ومن يشارك فيه، فعلينا أن نأخذ في الاعتبار عدة أمور، أولها: أنه ينبغي ألا ننسى في غمرة الجدل الدائر أن الدعوة للحوار قد أطلقها جلالة الملك شخصياً، وهذا أمر هام لأن في ذلك إشارة واضحة لكل من يضعون هذا الوطن أمام أعينهم، بأن القيادة تفتح ذراعيها للجميع وتريد للحوار أن يتمخض عن لبنة جديدة توضع في بناء صرح الديمقراطية والإصلاح الذي بدأته القيادة ولم تحيد عنه.
وبناء عليه فإن الجميع – مهما تباينت رؤاهم وأهدافهم- قد أصبحوا أمام مسؤولية كبيرة، لأنهم هم الذين سيحسنون استخدام هذه الفرصة ويجعلون هذا الحوار ناجحاً ومفيداً، إن أحبوا. وهو الذين سيسيئون للوجه المشرق لمسيرتنا الديمقراطية الحالية إن أرادوا.
أما الشيء الثاني الذي يجب أن نعيه وسط هذا الضجيج هو معنى كلمة “حوار”،  فالحوار أن نجلس معاً ونطرح رؤانا ونتناقش ونرضى في النهاية بما ينتهي إليه الحاضرون، وألا نبني حكمنا على نتائج الحوار بمدى قدرتنا على فرض رؤانا على الآخرين. ذلك لأن الحوار في حد ذاته نجاح وتقدم وخطوة إلى الأمام.
والشيء الثالث هو ضرورة أن يقتنع الجميع أن الحوار ليس إملاءً مقدماً للشروط، لأننا لسنا في حالة تفاوض مع دولة أخرى أو مع عدو لكي نقوم بوضع شروط كثيرة لكي نضمن على الأقل تحقيق نصف أو ثلث هذه الشروط . المسألة ليست كذلك لأننا أبناء وطن واحد، والمفترض أن نسعى مهما اختلفنا إلى العمل على تقدم الوطن الواحد والحفاظ على أمنه واستقراره. وهذا لن يتحقق إلا إذا تخلينا عن الحكم على كل الأمور من منظور فئوي ضيق.
والشيء الرابع هو ضرورة أن يكون هناك ضوابط يحترمها الجميع لهذا الحوار، وإلا ستتحول المسألة إلى فوضى وغوغائية وتبادل اتهامات. وهذا ينقلنا إلى سؤال هام: ما هو الخطأ في أن يتم الحوار عن طريق البرلمان؟ أليس هذا هو البرلمان الذي تم انتخابه بنزاهة تامة يعرفها العالم؟
وإذا كانت هناك جمعية لم يرد الناخبون أن يمنحوها مقعداً في البرلمان، فليس هذا هو نهاية العالم بالنسبة لهذه الجمعية أو غيرها، ولا مانع من أن ترسل رؤاها بشكل أو بآخر للبرلمان لكي يتم مناقشتها ضمن رؤى الآخرين.
أما غير ذلك فسيفتح المجال أمام كل مواطن بحريني ليطالب بالمشاركة في الحوار بشكل مباشر ويعطيه الحق ليزعم بأنه لا احد من المشاركين يمثله. ولنا أن نتصور شكل الحوار على هذا النحو .
إن ما فهمته من توجهات جلالة الملك بضرورة أن يكون الحوار من خلال البرلمان هو تنظيم المسألة وضمان نجاحها وإتمامها في هدوء وليس أي شيء آخر.
أما الأدهى والأمر في القصة كلها فهو أن هناك جمعيات لا تعترف بالعملية السياسية الجارية برمتها، حيث رفضت المشاركة فيها في الماضي، ولازالت تصر على مقاطعتها في المستقبل، ورغم ذلك تريد المشاركة في الحوار!! كيف هذا يا عقلاء هذا البلد؟؟ من يقبل أن تتصرف هذه الجمعيات تصرف المنتصر الذي يملي شروطه على غيره؟! كيف أتحاور معك وقد أصدرت قراراً مسبقاً بإلغائي وأردت هدم البناء بأكمله؟!
من يتصرف بهذا الشكل يريد أن يقتل الحوار “مع سبق الإصرار والترصد” لا لشيء إلا لكي يلقي باللائمة على غيره ويتخذ من إفشال الحوار ذريعة جديدة لتسخين الشارع وإثارة الفوضى وعدم احترام القانون.