حصاد أميركا المر فى أفغانستان

حصاد أميركا المر فى أفغانستان

تقول الإحصائيات المؤكدة أن الإنفاق العسكرى للولايات المتحدة الأميركية فى عام 2006 قد تساوى مع الإنفاق العسكرى لبقية العالم مجتمعا، وأن هذا الإنفاق زاد فى عام 2007 مع زيادة الميزانية الأميركية لكى يتجاوز الانفاق العسكرى لبقية العالم.
وبما أن سكان الولايات المتحدة يشكلون خمسة بالمائة فقط من سكان العالم ، فإن نصيب الفرد الأميركى من الإنفاق العسكرى يزيد عشرين مرة على نصيب غيره من الأفراد فى أنحاء العالم.
ففى عام 2007 أنفقت الولايات المتحدة 572 بليون دولار على الأنشطة العسكرية ، و11 بليون دولار على الأمن الدولى ( فى صورة مساعدات أمنية لدول مثل العراق وأفغانستان).
الرئيس الأميركى السابق جورج دبليو بوش برر هذه الميزانية الكبيرة بالقول: “نحن فى حرب ضد الإرهاب ، والحروب تتكلف الكثير”.
ولآن ،وبعد مرور ست سنوات على بدء تلك الحرب ، لونظرنا إلى ما حققته الحرب الأميركية على ما تسميه بالإرهاب فى أفغانستان والعراق لا تجد أى شيىء إيجابى قد تحقق على الأرض.
فقوات بوش التى تم إعدادها معنويا على أنها قادمة إلى العراق لتنتقم لمقتل ثلاثة آلاف فى حادثة الحادى عشر من سبتمبر 2001 ، قتل منها فى العراق عدد أكبر بكثير ممن قتلوا فى تلك الحادثة ، إلى جانب ما يقرب من مائة ألف أويزيد من الأميركيين قد أصبحوا معاقين بفعل تلك الحرب. ولا داعى هنا لذكر الخسائر العراقية وما يمكن أن يحدث فى العراق بعد انسحاب الأميركيين، فهذه قصة أخرى أكثر أهمية لنا وللعراقيين.
أما عن أفغانستان ،ففى الوقت التى تحدثت فيه الأخبار عن الحرب الدائرة فى وادى سوات ضد طالبان باكستان ، جاءت أخبار أخرى تقول أن طالبان أفغانستان قد أعادت سيطرتها على أماكن كثيرة واستراتيجية واقتربت من العاصمة كابول. ناهيك عن الأخبار التى تقول بتزايد القتلى الأميركيين والبريطانيين هناك.
كل هذا يبين أن هذه الميزانية العسكرية الهائلة لم تحقق أى شيىء مما هو معلن عنه سلفا من قبل الإدارة الأميركية، اللهم إلا إذا كان الهدف هو دمار هذه البلدان حتى وإن أدى الأمر إلى مزيد من زعزعة الأمن فى العالم. فالولايات المتحدة لا تريد أن تقتنع ، حتى الآن،أن الأمن يتحقق بإزالة الأسباب الجوهرية للتوتر والنزاع فى العالم ، وعلى رأسها القضية الفلسطينية ، وليس بقهر الجيوش وتدمير الدول.
لقد بدأ كتاب أميركيون – بعد مرور كل هذه السنوات على حرب أميركا فى أفغانستان والخسائر المادية والبشرية التى تكبدتها هناك – يصفون أفغانستان بأنها مقبرة الإمبراطوريات ، فقد سبق أن كانت مقبرة للإنجليز والسوفييت. إدارة أوباما تحاول بكل السبل أن تهرب من هذا الشبح، وتخشى ان يجرى على أميركا ما جرى على الإمبراطوريات التى سبقتها. ولكنى أعتقد – فى ظل ما أنجزته حتى الآن – أنها لن تحقق ما تريد إلا إذا تخلت عن نصيحة رئيسها السابق بوش الذى قال : “إن على أميركا أن تضع نفسها فى وضع الهجوم ، وأن تظل هكذا، ما بين الحرب على الإرهاب ومحور الشر”، فهذه النصيحة لم تثبت سوى عقم القوة العسكرية فى حل المشكلات التى حددها الأميركيون لأنفسهم.
زبدة القول:
فى تأمله لتطور تفكيره الاستراتيجى، كان المؤرخ العسكرى البريطانى الكبير “بازل ليدل هارت” يقول: اعتدت أن أفكر فى أن أسباب الحرب كانت فى مجملها أسبابا اقتصادية ، ثم بدأت أعتقد أنها أسباب سيكولوجية ، أما الآن فإننى أعتقد أنها أسباب شخصية. وبكل تأكيد ، فإن الحروب تنشأ بسبب عيوب وطموحات هؤلاء الذين يملكون القوة للتأثير فى مقادير الأمم”.