تصريحات كلينتون العجيبة

تصريحات كلينتون العجيبة

لم تنتظر السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية العائدة من إجازتها المرضية بعد أن كسرت ذراعها- لم تنتظر حتى يفيق العرب من تلقاء نفسهم من مفعول الخمر القديمة التي سقاها لهم رئيس إدارتها السيد باراك أوباما في زجاجات جديدة-  فحاولت دون قصد وربما دون جدوى إفاقتهم .
 السيد أوباما، بدهاء كبير باع لكل طرف البضاعة التي يحب شراءها، باع للعرب البلاغة والبيان والمحسنات البديعية ، وقدم لهم كل ما يمكن بيعه في سوق عكاظ العربية التي نحبها ونعيش فيها دوماً ، أما الإسرائيليين فتركهم يتوسعون في الاستيطان والتهويد بأقصى سرعة ممكنة ، وفعلوا في ظل اعتراضات الإدارة الأمريكية ما لم يفعلوه في ظل مباركاتها ، أنجزوا أكبر قدر من الأمر الواقع على الأرض خلال الوقت المتاح، خاصةً وأن بلاغة اوباما وفصاحته التي تجلت في جامعة القاهرة تكفي لإطعام العرب لسنة كاملة تفعل فيها إسرائيل ما تشاء.
ثم إذا قـُدر للعرب أن يستفيقوا من خمر أوباما تكون أمور كثيرة قد أنجزت ويكون المسجد الأقصى قد هـُدم ولا يستطيع أحد أن يغير شيئاً على أرض الواقع.
 بعد أن قال أوباما كلمته ومضى ، ذهب كل إلى غايته، ذهب الإسرائيليون إلى شأنهم المذكور آنفاً، أما نحن العرب فذهبنا إلى تحليل خطاب أوباما، انطلقت جيوش المحللين المسلحين بعدة كاملة من أسلحة البيان، انطلقوا يغردون في قنواتنا الفضائية التي لا تعرف ماذا تريد يحللون جملة جملة وكلمة كلمة وحرفاً حرفاً. انقسمنا كعادتنا لفريقين ، فريق متفاؤل وفريق متشائم، وبينهما بعض المتشائلين.
وواصل السيد أوباما انتقاداته للاستيطان، وواصل الإسرائيليون توسعهم الاستيطاني ، ولا فرق بين استيطان يتم في ظل موافقات معلنة أو غير معلنة ، فالاستيطان هو الاستيطان، والاعتراضات ليست سوى مؤثرات صوتية أو خلفية موسيقية لمسرحية إسرائيلية حقيرة كحقارة عيني أفيجدور ليبرمان وزير خارجيتهم.
والآن طلعت علينا السيدة كلينتون بعد إجازتها المرضية بتصريحاتها المثيرة للاستفزاز، تدعو العرب إلى اتخاذ خطوات “ملموسة” نحو التطبيع مع إسرائيل، تقول هذا الكلام وآلة الهدم الإسرائيلية تنحر في أساسات المسجد الأقصى وعمليات الاستيطان والتهويد تجري على قدم وساق. كل هذا والسيدة كلينتون تريد أيضاً من الحكومات العربية أن تصنع لشعوبها غسيل مخ لكي يتقبلوا بوجود إسرائيل.
وفي الوقت الذي رحبت فيه سوريا بحوار مع الولايات المتحدة من اجل صنع سلام قائم على العدل ، ردت السيدة كلينتون على سوريا بضرورة أن تغير حساباتها إن أرادت حواراً مع أمريكا، ولا ندري أي حسابات تلك التي تريد لها السيدة كلينتون أن تتغير، هل تريد لسوريا أن تتنازل عن الجولان ؟! أم أن تصنع علاقاتها وسياساتها الخارجية بما يتفق مع مصلحة إسرائيل التي تحتل جزء من أرضها.
وكأني بالسيدة كلينتون تريد من العرب أن يوقعوا من جديد على شيك على بياض، أو أنها تمهد لتنصل إدارتها من وعودها التي وعدت بها على لسان الرئيس أوباما، وأول خطوات هذا التنصل هو تحميل المسئولية للعرب، الذين “لا يقومون بخطوات ملموسة نحو التطبيع مع إسرائيل” رغم أنهم يحملون مبادرة السلام العربية على أكفهم منذ عام 2001 ولم تقدم لهم الولايات المتحدة سوى الكلام!