تجارة الشهادات وتجارة المخدرات

تجارة الشهادات وتجارة المخدرات

جاء اليوم الذي أصبحت فيه أخبار الجامعات مثل أخبار تجارة المخدرات والاختلاس والاستيلاء على المال العام. زمنٌ عجيب حقًّا ذلك الذي يزول فيه الفرق بين محراب العلم وبين محلات البقالة وغيرها من المحلات التي تهدف إلى الربح فقط من دون تفكير في مصلحة المجتمع.
في الماضي كانت الأخبار السلبية المتعلقة بالجامعات تنحصر – في أسوأ الظروف- في قضية محاولة غش من قبل أحد الطلاب، أو رفض إحدى الجامعات تعيين شخص متفوق في وظيفة معيد، وتفضيل من هو دونه.
أما في أيامنا هذه – للأسف الشديد- فأصبحت الأخبار كالآتي: “إحالة أوراق وشهادات صادرة عن ثلاث جامعات خاصة إلى النيابة بعد أن تبين وجود شبهة جنائية حول هذه الأوراق”. هكذا أصبحت أخبار الجامعات الخاصة، وهكذا أصبحت حال مؤسسات تفترض فيها النزاهة والقدوة.
إن تحويل الجامعات إلى دكاكين لبيع الشهادات، هو جريمة ضد المجتمع بأكمله؛ لأن الشهادات ليست كالتبغ، وليست كالبطيخ والخيار المُعالج بالهرمونات يقع ضررها على من يشتريها فقط، ولكن ضرر الشهادات المزيفة المشتراة يتعدى ذلك بكثير؛ لأن الشباب الذين يحملون هذه الشهادات يمكن أن يكونوا قادةً في المستقبل، ويكونوا مسؤولين عن غيرهم، فمنهم القاضي، ومنهم الطبيب، ومنهم المدرس… فكيف سيحققون التقدم لأنفسهم ولوطنهم وهم الذين بدؤوا حياتهم بالتزوير؟!
لم تتقدم الدول إلا بالتعليم، ولم تتأخر دول أخرى إلا بفساد التعليم؛ لأن فساد التعليم هو فسادٌ لكل المهن، فإذا كانت المسألة هي الكسب والإثراء من إقامة هذه الجامعات الخاصة، فإن على القائمين على هذه الجامعات أن يبحثوا عن هذا الكسب في عشرات المجالات الأخرى؛ لأن الإصرار على الاستثمار في التعليم على النحو الذي ينتج عقولاً خاوية، لا يقل خطورة عن تجارة المخدرات، حيث الإثراء على حساب تدمير الشباب بدنياً وعقلياً ونفسياً.
ولا نبالغ إذا قلنا ان ما يجري حالياً يدمر سمعة أستاذ الجامعة نفسه، وهو الذي كان ينظر إليه حتى وقت قريب على أنه آخر الرجال المحترمين.
ومهما كان الكلام قاسياً، فإن على  الجامعات التي وردت أسماؤها في تلك الأخبار – إذا ثبتت عليها التهم- أن توقف نشاطها التعليمي نهائياً، ولا تكتفي فقط بالستة أشهر أو الفصل الدراسي الذي قرره التعليم العالي؛ لأن سمعتها ستكون قد دمرت، وسيكون من العار على أي أستاذ أن يقوم بالتدريس فيها. أما عن خريجي هذه الجامعات، فسوف يـُنظر إليهم من قبل المجتمع على أنهم أقل شأناً من غيرهم من الخريجين.
وفي النهاية، لابد من طرح هذا السؤال: هل تعجلنا في تجربة الجامعات الخاصة من دون استعدادات ودراسات كافية، ولم نستفد من تجارب الغير في العالم العربي؟ أم ان تجربة الجامعات الخاصة في العالم العربي كله تجربة تحتاج إلى مراجعة؟
قرأنا ضمن الأخبار غير الطيبة عن هذه الجامعات أن دولة الكويت الشقيقة أوقفت اعترافها بعدد من الجامعات الخاصة في مصر، إلى جانب البحرين بالطبع… فتحية للكويت على هذا الموقف، وكل الشكر لمجلس التعليم العالي في البحرين على مواقفه الشجاعة التي تهدف إلى تحقيق المصلحة العليا للبحرين.