الناس على دين ملوكهم…

الناس على دين ملوكهم…

يبدو أن الثقافة الرفيعة سمة مغربية عامة في رجال الدولة، وهذا له أسباب ربما تتصل بالرجل الأول أو الملك، فالمتابع للحالة المغربية يجد أن الثقافة العميقة سمة معروفة حسب معلوماتي ابتداءً من المرحوم الملك الحسن الثاني. والمقصود بالثقافة هنا ليس فقط المعرفة بالشؤون العامة والشؤون السياسية والعلاقات الدولية التي يحتاجها رجال الدولة، ولكن المعارف على اتساعها.
وعندما يكون الملك مثقفاً، هذه صفة تتوافر دائماً في الملوك وأبناء الملوك؛ لأن أبناء الملوك منذ ولادتهم يتم إعدادهم لأن يكونوا رجال دولة ويكونوا أصحاب أدوار كبيرة في حياة بلدانهم، على عكس أنظمة الحكم الأخرى. وهذا ليس نقداً بطبيعة الحال لتلك الأنظمة، ولكنني فقط أريد أن أبين أن الملوك وأبناء الملوك يكونون أصحاب ثقافة رفيعة؛ لأنهم يعرفون ما ينتظرهم في مقبل الأيام.
ولهذه الأسباب أيضاً نجد أن الملوك عادةً يقربون ويستخدمون أصحاب الفكر والثقافة في الوظائف العامة ويعرفون قدر العلم وأهميته لدى البطانة التي تحيط بهم.
وقد تعمقت لدي هذه القناعة من خلال تعاملي مع السفير المغربي في البحرين السيد محمد آيت وعلي، فهو رجل مثقف ثقافة رفيعة والحديث معه متعة كبيرة، وله إنتاج فكري طيب وهو إنتاج لا يرتبط فقط بطبيعة عمله كدبلوماسي، ولكنه يرتبط بكونه رجلا ينتمي إلى مدرسة الملوك.
وقد كان لي شرف الاطلاع على عمل فكري رائع وعميق وهو بحثه عن الفلسفة السياسية عند أبي حامد الغزالي الذي تناول فيه حياة الغزالي بين مرحلتين رئيسيتين انطلاقاً من توجه فكري أساسي هو علاقة الغزالي بالسلطة السياسية وتأثير هذه العلاقة على مؤلفاته وقناعاته المعرفية والسياسية.
ويتناول في المرحلة الأولى حياة الغزالي في بلاط الخلافة العباسية كفقيه سلطان يدافع عن السلطة السياسية بتوظيف سلطته الدينية ومدى وعي الغزالي بدوره هذا. ويتناول البحث في هذه المرحلة أيضاً القيمة المعرفية لمؤلفات الغزالي التي كتبها خلال تلك المرحلة، وهل تعبر هذه المؤلفات عن مواقفه وقناعاته السياسية والمعرفية، وما هو موقفه الشخصي من هذه المؤلفات عندما ابتعد عن السلطة السياسية.
ويتناول البحث في المرحلة الثانية من حياة الغزالي مؤلفات الغزالي التي تحمل فلسفته السياسية انطلاقاً من “إحياء علوم الدين” ومروراً بـ “ نصيحة الملوك” وانتهاءً بـ “رسائل فضائل الأنام”.
هذا البحث غاية في العمق والأهمية؛ لأنه يقدم إضافة حقيقية ويكشف بشكل أدق عن حقائق مهمة عن الجانب السياسي عند الغزالي وعلاقته بالسلطة السياسية وتأثير ذلك على نتاجه الفكري.
وفي النهاية، نقول انه شيء جميل أن يترك السفير وراءه لمسة وأثراً ثقافياً في البلد الذي يوفد إليه، فشكراً للسفير ذي الثقافة والفكر محمد آيت وعلي.