المواطن البسكويت

المواطن البسكويت

إصرار البعض على تضخيم أي شجار بسيط يقع بين اثنين يكون أحدهما “ مجنساً من أصل عربي” حسب تعبيرهم، هو إصرارٌ ليس له ما يبرره سوى الرغبة في الإثارة والتحريض والإضرار بالوئام والسلم الأهلي.
قبل أيام قرأت ُ خبراً من تلك النوعية يبين مضمونه عدم الموضوعية وعدم الالتزام بالحد الأدنى مما يفترض أن يكون موجوداً بالخبر الصحفي، وهو ما يرشح هذا الخبر لأن يكون نشره من نشرات التحريض إن صح هذا التعبير.
ولو نظرنا للخبر في إطار ما سبقه من أخبار في مناسبات أخرى سابقة على مدى أعوام لوجدنا دائماً أنه يتم تصوير من يطلق عليهم “ المجنسين” – مع تحفظي على استخدام هذه الكلمة – على أنهم دائماً معتدين ، وأنهم دائماً مجموعة من الأفراد، على العكس من الطرف الذي يوصف بأنه ضحية ، حيث يكون دائماً فرد واحد أو اثنان على الأكثر.
ومن التعبيرات العجيبة التي تدل على عدم الموضوعية في هذا الخبر الذي قرأته مؤخراً قول المحرر أن “ المجني عليه تعرض لكسر في الجمجمة ، استدعى تخييط الرأس” .
فهل كسر الجمجمة أصبح يعالج بالخياطة في أيامنا هذه، أم أن المبالغة والانفعال قد أدت إلى الابتعاد عن الموضوعية ودقة التعبير؟؟
هذا الخبر وما قبله يظهر “ المجنسين من أصل عربي” حسب التعبير الذي يستخدم دوماً وكأنهم لا عمل لهم في البحرين سوى التحرش بغيرهم من المواطنين، وعلى الجانب الآخر يأخذ “ المواطن” الذي هو بحريني صافي دور الضحية مكسور الجناح ، المليئة بالكدمات وكأنه مواطن مصنوع من البسكويت!
هل كل الذين “جنسوا” أبطال في الملاكمة والجودو والكاراتيه، و”المواطنين” الأصليين دجاج وحمام؟! هذه إساءة للمواطن البحريني نفسه..
ثم لماذا النشر بهذه الصورة المحرضة قبل أن يجري التحقيق في هذه الواقعة – إن صحت- وأسبابها ؟ ألم نقم الدنيا ونقعدها من قبل عندما أذيعت اعترافات المتهمين بالإرهاب الذي استهدفوا الوطن كله؟ لماذا هذه الازدواجية المكشوفة؟ ألا يؤدي النشر الآن إلى التحريض وتعريض حياة الناس للخطر؟
الخبر مسئولية وأمانة والصحافة تتحمل مسئولية كبيرة نحو نشر الوئام بين الناس وليس العكس.
إنني لا أبالغ إذا طالبتُ أولي الأمر أن يمنعوا استخدام كلمة مجنس من أي أدبيات منشورة لأن هذه  الكلمة في السياقات التي توضع فيها تشكل إضراراً من نوع آخر بأمن المجتمع واستقراره. وبغض النظر عن التحريض المكشوف، الذي لا يليق بالخبر الصحفي وما قد يترتب عليه من ضرر، فاستخدام هذه اللفظة سيشعر هؤلاء( المجنسين) بأنهم “ الآخر” في هذا المجتمع ويجعلهم لا يشعرون بالأمان، ويخلق فئة أخرى داخل المجتمع، وكأن الفئات الموجودة لا تكفي لتمزيقنا!
وسؤالي لمن يضخمون الأخبار على النحو السابق: لماذا الإصرار على دفع مجتمع عرف عنه التسامح وقبول الآخر نحو العنف ؟ ألا ننزعج جميعاً ونطلق العنان لعواطفنا وحماسنا الديني كلما يقع اضطهاد لمواطن مسلم في المجتمعات الغربية؟!
لستُ ضد المواطن البحريني، ولكن الفضيلة والبطولة ليست في الانحياز المطلق على طول الخط ولكن الفضيلة تكون في قول الحق وإن كان مراً.