السادس من أكتوبر

السادس من أكتوبر

السادس من أكتوبر 1973 هو يوم نادر من أيام العرب في عصرنا الحديث لأنه أثبت أن التعاون العربي ليس أمرا مستحيلا، وأثبت أن هذه الأمة لديها من الإمكانيات ما يجعلها تتحدث والعالم كله يستمع لها.
في هذا اليوم تجسدت الوحدة العربية ووصلت إلى أقصى درجة تتوق إليها أحلام الشعوب العربية، فكان النصر للعرب، وكان الانكسار والإحساس بالهوان للصلف الصهيوني ولأسطورة الجيش الذي لا يقهر،وكان لجبروت جولدامائير أن يسحق. 
هذا اليوم الذي انطلقت فيه واحدة من أهم حروب التحرير العربية لم ينل حقه من الإعلام العربي، لأسباب تتصل ربما بحالة الإحباط التي أصابت الكثيرين بعد توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. ولكن هذا الموقف الذي تبناه الكثير من الإعلاميين ليس موقفا منصفا لأن هناك تضحيات ودماء قد بذلت وهناك شهداء سقطوا وروا بدمائهم الأرض العربية المغتصبة. هذه البطولات التي حققها الجيشان المصري والسوري على الجبهة، والموقف البطولي الداعم من الأمة العربية بكاملها،وسلاح النفط الذي كان من أهم العوامل في حسم هذه المعركة، كلها أمور يجب إبرازها وتعريف الأجيال الحالية بها، بدلا من الحديث السنوي الذي لا ينقطع عن الهزائم العربية التي تصيب الشباب بالإحباط.
فلو نظرنا بشيء من التدقيق إلى كم البكائيات السنوية التي تكتب في ذكرى نكسة ،أو هزيمة عام 1967،ونظرنا في الوقت ذاته إلى الكتابات القليلة التي تظهر على استحياء في ذكرى السادس من أكتوبر، لأحسسنا بأن هناك من يريد زيادة مساحة الهزيمة والإحساس بالهزيمة في أذهان الشباب العرب وإقناعهم بأن الأمة العربية أمة مهزومة على الدوام.
أليس من الغريب أن يصدر الصهاينة هذا الكم الكبير من الكتب والأبحاث والدراسات والكتابات الصحفية عن حرب يوم “كيبور”كما يسمونها،ويعترفون أنهم هزموا وتلقوا ضربة أفقدتهم توازنهم،في الوقت الذي يمر فيه الإعلام العربي على ذكرى هذا اليوم مرور الكرام.
وما هو التفسير الممكن لقيام فضائيات عربية ذات انتشار وتأثير بتخصيص ساعات كثيرة من البث لتناول هزيمة 1967 وتعميق الإحساس بها وإظهارها و كأنها الحدث الوحيد الذي وقع خلال الصراع العربي بعد عام 1948 ،وعلى الشباب العربي أن ينسى أي شيء سواها،وأن يعرف أن هذه الأمة خلقت للهزيمة فقط.
إذا كان هناك من اختلفوا مع الرئيس المصري أنور السادات،بسبب توقيعه لمعاهدة السلام مع العدو،وقاموا على أثر ذلك باتخاذ موقف رافض لكل ما ارتبط باسمه سابقا ولاحقا، فلا يجب أن ينسى هؤلاء أن حرب أكتوبر ليست للمصريين والسوريين وحدهم،ولكنها حرب صنعها وشارك فيها كل العرب بأدوات مختلفة،وأن الموقف اللاحق من الرئيس السادات لا يبرر لأحد أن يساهم في محو هذا اليوم من أذهان الشباب العربي،الذي يسقيه الإعلام العربي ،وبخاصة بعض الفضائيات،من ماء الهزيمة ليل نهار،لأن في ذلك تنكر لدماء الشهداء ،الذين هم أكرم منا جميعا،الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن.
هناك حالة إحباط يشعر بها الكثيرون، ناتجة عن الأوضاع التي تعيشها الأمة العربية حاليا، ولكن هذا لا يبرر مطلقا أن نهمل أو نتجاهل الأيام الكبيرة في حياة أمتنا ، وبخاصة اليوم الذي تحققت فيه الوحدة العربية بشكل لم يسبق له مثيل.