كنت من أوائل الذين كتبوا عن جريمة قتل معمر القذافي وهو في حالة الأسر وينطبق عليه ما ينطبق على كل الأسرى من قوانين ومن حسن معاملة وتوفير المحاكمة العادلة، ومع ذلك فأنا أول من يستغرب أن تطالب الولايات المتحدة بمحاكمة قتلة القذافي، بل استغرب أن يطالب “بان كي مون” السكرتير العام للأمم المتحدة بالدعوة لمحاكمة هؤلاء.
السبب في الاستغراب هنا لا يتعلق بالموقف القانوني للقذافي، فالموقف القانوني للقذافي واضح للجميع، فهو أسير حرب، ولم يكن من حق الثوار قتله وهو أسير، بل كان يجب عليهم تسليمه للمحكمة الدولية أو للمجلس الانتقالي الليبي من أجل محاكمته كمجرم حرب، ولكنهم لم يفعلوا، وبالتالي خالفوا القانون الدولي، وخالفوا الشريعة الإسلامية نفسها التي تمنع قتل الأسير على أيدي الذين قاموا بأسره حتى وإن كان قاتلا، ولكن يترك أمره للمحكمة العادلة لتقرر قتله أو عدم قتله.
السبب في استغرابي هو أن هناك سوابق ليست ببعيدة حول قتل رؤساء آخرين دون سند قانوني ومع ذلك باركتها الولايات المتحدة ووافق عليها السيد “بان كي مون”.
فلماذا وافقت الولايات المتحدة ووافق بان كي مون على اغتيال الرئيس العراقي السابق صدام حسين يوم عيد الأضحى، ولم ينكرا ذلك على الذين نفذوا هذا الاغتيال.
فطبقا لفقهاء القانون، الرئيس صدام حسين تم تنفيذ حكم الإعدام فيه دون أن يتم تحديد موقفه القانوني، فلم يتضح هل هو مجرم حرب أم رهينة أم أسير؟وكان ينبغي على الحكومة العراقية وعلى قوات الاحتلال الأميركي – حسب رأي فقهاء القانون الدولي – أن تقوم بإرسال الحكم وملف الدعوى إلى المحكمة الدولية وأن تنتظر لمدة ستة أشهر وهو ما لم يحدث، وبالتالي فإن ما تم لم يكن إعداما ولكنه اغتيال سياسي تم بموافقة الولايات المتحدة وموافقة السكرتير العام للأمم المتحدة.
ونفس الشيء حدث لأسامة بن لادن عندما اختطفته الولايات المتحدة وقتلته، على الرغم من أنه في حكم الرهينة المختطف وليس في حكم مجرم الحرب، فلم تصدر ضده مذكرة من المحكمة الدولية تتهمه بأنه مجرم حرب، وبالتالي لم يكن يجب قتله.
فكيف تطالب الولايات المتحدة هي “وبان كي مون”بمحاكمة قتلة القذافي رغم أنهما ارتكبا سوابق أكثر وضوحا في هذا الشأن؟
ربما يكون هدف الولايات المتحدة من ذلك التجمل أمام العالم كدولة تحترم حقوق الإنسان وكرامة الإنسان، وربما تريد الولايات المتحدة أن تحدث انشقاقا بين الثوار وبين المجلس الانتقالي كنوع من الانتقام من المجلس نفسه بعد التصريحات التي أدلى بها رئيس المجلس حول جعل الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع.