ليس هناك عجب في أن وثائق الخارجية الأميركية التي نشرها موقع ويكيليكس الالكتروني تبين أن الدبلوماسيين الأميركيين في أنحاء العالم يقومون بجمع معلومات عن الدول التي يعملون بها، فكل الدبلوماسيين في أنحاء العالم يفعلون نفس الشيء، بل هناك جواسيس ورجال مخابرات يلبسون ثوب الدبلوماسيين ويخرجون من بلادهم على أنهم دبلوماسيون، ولكنهم في الواقع مكلفون بأعمال أخرى تحت غطاء الدبلوماسية، وكثيرًا ما ينكشف أمر الكثير منهم خاصة لدى الدول المتصارعة بعضها مع بعض، ولا نبالغ إذا زعمنا أن الدبلوماسية في أنحاء العالم هي نوع من التجسس المهذب.
كل الدبلوماسيين – سواء كانوا دبلوماسيين حقيقيين أو رجال استخبارات متخفين – يقومون بإعداد التقارير عن الدول التي يعملون بها، مستندين في ذلك إلى وسائل إعلام هذه الدول في الحصول على 99 % مما يريدون من معلومات، ويبقــــى فقــــط 1 % من المعلومات لا يتسنى الحصول عليه إلا عن طريق تجنيد الجواسيس من الموجودين في الأماكن الحساسة في الدولة أو البحث عن طريقة لزرع جواسيس في هذه الأماكن.
ويمكن للدبلوماسيين – لسبب أو لآخر معرفة مواقف غير معلنة لبعض المسؤولين تجاه قضية ما ونقلها إلى حكوماتهم، مع الإبقاء على ما دار بينهم وبين هؤلاء المسؤولين في نطاق السرية حفاظًا على المصالح العليا والعلاقات بين الدولة وبين غيرها من الدول.
هذا ليس دفاعًا عن الدبلوماسية الأميركية التي فضحها موقع وكيليكس إلى أبعد مدى- على الرغم من أن المتحدث باسم الخارجية الأميركية قد تبنى نفس الطرح السابق في معرض دفاعه عن الدبلوماسية الأميركية تجاه هذه الفضيحة الكبرى – ولكنه توضيح لطبيعة التهمة التي تواجهها الولايات المتحدة تجاه غيرها من الدول، خاصة الدول العربية التي تعرضت حكوماتها إلى درجة كبيرة من التشويه، بعد نشر وثائق ويكيليكس. فالتهمة ليست في جمع المعلومات، ولكن التهمة تكمن في التسبب في نشر ما لا يجب نشره من أسرار ترتبط بمستوى معين من أهل الحكم في الدول.
الولايات المتحدة مسؤولة مسؤولية كاملة، عن الإساءة لغيرها من الدول، ومن حق المسؤولين في كافة دول العالم أن يتعاملوا بحساسية خاصة مع الدبلوماسيين الأميركيين.
ومع ذلك يبقى من غير المفهوم بالنسبة لي على الأقل أن الجندي الأميركي الشاذ جنسيًا المتهم بتسريب الوثائق إلى موقع ويكيليكس كان ضمن 2,5 مليون شخص مسموح لهم بالاطلاع على نظام تداول المعلومات السرية على مستوى الولايات المتحدة ووزاراتها ومسؤوليها. فهل هذا النظام يضمن سرية المعلومات أم ان ما حدث أمر ممنهج كما قال المسؤول التركي أو ان هناك مؤامرة في الأمر كما قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وان البرقيات التي نشرها موقع وكيليكس عمل طائش لا قيمة له، وأن الحكومة الأميركية هي التي أعدت ونشرت هذه المعلومات كجزء من عمل استخباراتي؟
وعلى أية حال فبالباب سيظل مفتوحًا للتساؤلات، خاصة وأن ما ورد عن هذه الوثائق حتى الآن لا يختلف كثيرًا عن ما يعرفه الرأي العام في كثير من الدول، فالوثائق لم تأت بجديد عندما قالت إن نوري المالكي كان يترأس فرقًا لقتل العلماء السنة في العراق، وليس هناك جديد حول ما حدث من جرائم في العراق، ولكن الجديد هو محاولة توزيع الصورة السيئة على جميع حكومات المنطقة.