نزار قباني..الغائب الحاضر

نزار قباني..الغائب الحاضر

في خضم أحداث الربيع العربي تذكرت كثيرا الشاعر العربي الكبير نزار قباني وتمنيت لو أنه عاش هذه الأحداث ورأى التغيير ورأى الثورات التي طالما دعا إليها في قصائده السياسية،تمنيت لو أن نزارا، ابن سوريا الشقيقة ،قد رأى ما جرى وما يجري فيها ليعرف أن كل حرف قاله في قصيدته “السيرة الذاتية لسياف عربي”،قد تحقق على أرضها ،تمنيت لو أنه أرخ بشعره لهذا المخاض الكبير التي تعيشه..
 رحم الله نزار قباني،الذي رحل وهو يحمل هموم الأمة العربية ويشعر بالانكسار لأحوالها داخليا وخارجيا.
 لقد بدأ نزار شعره السياسي بقصيدته “خبز وحشيش وقمر”،وهي قصيدة تبين حجم اليأس والمرارة اللذان كانا يسيطران عليه بسبب أحوال أمة ضعيفة غائبة الوعي،تركض من غير نعال ولا تلتقي الخبز إلا في الخيال ولا تفعل شيء في حياتها سوى استجداء السماء:
 في بلادي..
 في بلاد البسطاءْ..
 حيث نجترُّ التواشيح الطويلةْ..
 ذلكَ السثلُّ الذي يفتكُ بالشرقِ..
 التواشيح الطويلة..
 شرقنا المجترُّ..تاريخاً
 و أحلاماً كسولةْ..
 و خرافاتٍ خوالي..
 شرقُنا, الباحثُ عن كلِّ بطولةْ..
 في أبي زيد الهلالي..
وبعد أكثر من ربع قرن أصبح نزار أكثر مرارة وحزنا وانكسارا وأكثر يأسا من أحوال العرب،،فأنهى شعره السياسي قبل أن يرحل عن دنيانا بديوان أسماه ديوان الانكسار :
 أنا بعد خمسين عاما أحاول تسجيل ما قد رأيت..
رايت شعوبا تظن أن رجال المباحث أمر من الله مثل الصداع الزكام ومثل.
رأيت العروبة معروضة في مزاد الأثاث القديمة ولكنني ما رأيت العرب.
 ولكن عندما عبر العرب عن أنفسهم وأصبحوا في عداد الشعوب الحية رحل نزار عن الدنيا دون أن يرى هذا الربيع العربي الكبير.
 لقد كانت قصيدة نزار قباني:”السيرة الذاتية لسياف عربي”،رغم ما فيها من قسوة ومرارة،أفضل تعبير وأصدق وصف لأحوال العرب حكاما ومحكومين،وأخشى أن يتهمني أحد بالمبالغة إذا قلت أن هذه القصيدة تعد من ضمن أسباب التحريض التي نقلت الشعوب العربية من حالة السبات العميق إلى حالة التمرد والثورة،بعد أن عرت هذه القصيدة الكثير من الجمهوريات العربية وسفهت التوريث ومحاولات البقاء في السلطة حتى الموت.
أيها السادة:لقد أصبحت سلطانا عليكم
فاكسروا أصنامكم بعد ضلال واعبدوني
أنا لا أتجلى دائما..
فاجلسوا فوق رصيف الصبر حتى تبصروني
اتركو أولادكم من غير خبز.
واتركوا نسوانكم من غير بعل
واتبعوني.
 ****
 كلما قررت أن أترك السلطة
فاضت دموعي كغمامة
وتوكلت على الله وقررت
أن أركب الشعب من الآن إلى يوم القيامة.