كأن صاحب موقع وكيليكس يريد من وراء نشر الوثائق “التي كانت سرية” أن يقول ان الولايات المتحدة التي انتقد العالم سياساتها وتدخلاتها الخارجية خلال الأعوام الماضية ليست وحدها التي تستحق النقد وليست وحدها التي تستحق غضب الرأي العام في العالمين العربي والإسلامي، فالعالم كله لابد أن يقتسم معها النقد ويقتسم معها غضب الرأي العام، فليس جورج بوش وحده هو الذي قتل المدنيين في العراق وذبح أهل الفلوجة الأبرياء بالفوسفور الأبيض، ولكن نوري المالكي ايضا كان زعيما لفرق قتل المدنيين السنة والعلماء السنة في العراق.
صاحب وكيليكس – والله وحده يعلم من هو صاحبه – ضرب عصافير كثيرة بحجر واحد وأراد تشويه الكل وإحداث الوقيعة بين الكل، خاصة دول المنطقة التي نعيش فيها، وأراد أن يجهز تماما وإلى الأبد على علاقات دول المنطقة ببعضها البعض.
لسان حال “وكيليكس” يقول للعرب ليس لديكم شيء جيد، حتى قناة الجزيرة التي باعت لكم الشعارات زمنا طويلا، ليست هي الأخرى فوق الشبهات، فهي منبر يزعم الحرية وينادي بها، ويزعم الديمقراطية وينادي بها، ويقدم نفسه لجماهيركم على أنه ليس مملوكا لهذا الطرف أو ذاك، ولكنه ليس فوق الشبهات.
موقع وكيليكس قدم وثائق تقول ان قناة الجزيرة ذات الإمكانيات البشرية والمادية والتقنية الهائلة، هي أداة تأديب ومساومة بيد الحكومة القطرية، وانها يمكن استخدامها في الضغط السياسي على الدول العربية أكثر من أي أداة أخرى، واستدل على ذلك بموقف قناة الجزيرة من أكبر دولتين عربيتين، السعودية ومصر.
فقد أشارت الوثائق إلى ما قامت به الجزيرة من إساءات متكررة في الماضي للمملكة العربية السعودية لتحقيق أهداف سياسية معينة، ثم توقفها تماما عن توجيه أي نقد لها بعد لقاء تم بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وبين أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني.
كما جاء في الوثائق أن رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم قال للسناتور الأميركي جون كيري إنه عرض على الرئيس حسني مبارك صفقة تتضمن وقف البرامج ضد مصر على الجزيرة، بشرط أن تبدل القاهرة موقفها من المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، وأن الرئيس حسني مبارك لم يستجب لهذا العرض.
وأوردت الوثائق أيضا أن السفير الأميركي في قطر جوزيف لوبارون، أشار في مذكرة إلى أن تغطية الجزيرة لأحداث الشرق الأوسط “تتسم نسبيا بالحرية والانفتاح”، لكنه أضاف “بالرغم من تأكيدات حكومة قطر على العكس، إلا أن الجزيرة تبقى من أهم الأدوات السياسية والدبلوماسية بيد قطر”.
وجاء في الوثائق أن قطر تتدخل لتعديل تغطية الجزيرة لإرضاء بعض القادة الأجانب، كما أوحت المذكرة بأن قطر عرضت إلغاء بعض التقارير والبرامج التي تتضمن انتقادات لقاء تنازلات معينة.
وورد أيضا أن برقية دبلوماسية بتاريخ نوفمبر 2009 أشارت إلى إمكانية استخدام القناة “كوسيلة مساومة لتحسين العلاقات مع بعض الدول وعلى الأخص الدول المستاءة من تقارير الجزيرة، بما فيها الولايات المتحدة”.
ما يجب أن يقال هنا أن الوثائق التي تحدثنا بشأنها في هذا السياق لا تدين الموقف القطري نفسه تجاه أي قضية، ولكنها تدين استخدام قناة فضائية – يفترض فيها الحرية – كأداة من أدوات السياسية لجلد دول بعينها وغض الطرف عن دول أخرى حسب المصالح العليا للدولة القطرية.
زبدة القول:
قناة الجزيرة أذاعت نبأ الوثيقة التي أشارت إلى موقفها من مصر والسعودية، وذكرت حرفيا ما جاء في هذه الوثيقة، ولكنها – على غير العادة – لم تسبق غيرها من وسائل الإعلام في إذاعتها لهذا النبأ.