الصحافة العربية تضم الكثير من أصحاب الأقلام العجيبة التي يعجز الإنسان عن تحليل نواياهم وأهدافهم ويصاب بالإحباط لأن كتاباً كباراً طالما تعلمنا على أيديهم ينزلقون إلى سفاسف الأمور، ويضيعون وقتهم ووقت القارىء فيما لا يفيد.
في الأسابيع الماضية ومنذ ان أعلن أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سيوجه كلمته إلى العالم الإسلامي من القاهرة إنبرى كتاب كبار لينفقوا من وقتهم في مسألة لا تفيد وهي مدى إستحقاق القاهرة لأن تتخذ كمنبر للأمة كلها! وساء هؤلاء أن يقال أن مصر هي” قلب العروبة “ وراحو يعصرون عقولهم المأزومة لكي يثبتوا أن مصر لم تعد قلب العروبة.
ماذا يفيد هذا الجدل أيها الكتاب “ الكبار” . ما الذي ستستفيده الأمة من براهينكم التي لا تساوي المداد الذي كتبت به. فسواء ألقى اوباما كلمته من القاهرة أو من غيرها، ما هو الفرق؟، أليس المهم هو : ما الذي سيقوله أوباما، وما الذي سيمكن نقله من الكلام إلى الفعل وما هي الأولويات التي يجب أن يرتبها العرب في تعاملاتهم مع أوباما لكي يحققوا شيئاً على أرض الواقع ؟.
لماذا نختلف على التوافه بالله عليكم ، ونكون كالذين يختلفون على سنن الوضوء للصلاة ، فنجد من يطالب بمسح ربع الرأس ومن يطالب بمسح نصف الرأس ومن يطالب بمسح الرأس كلها ، ونزعج بعضنا بعضاً ، رغم أن العدو (كما قال المرحوم الشيخ محمد الغزالي) يفكر في قطع الرأس كلها!
والعجيب في أمر هذه المجموعة من الكتاب المتحذلقين أنهم دائماً لا يرون إلا العيوب والمثالب ، فلو كان الرئيس الأمريكي قد ألقى كلمته من إندونيسيا لكان حظ مصر أيضاً هو السباب والنقد، ولقالوا أنه لم يأت إليها لأن دورها إنتهى ولم تعد لها قيمة ، أما وقد جاء فهو ملوم لأنه جاء إلى المكان الخطاً.
ومن المؤسف أن هؤلاء المأزومين بعد أن فرغوا من إثارة الغبار على وجه مصر ، قد وجدوا ضالتهم في حادثة أخرى جديدة غذت عقولهم الباحثة دوماً عن المثالب والعيوب، وهي زيارة أوباما للسعودية ولقائه بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله قبل إلقائه لكلمته من مصر، ووظفوا هذه المسألة لإحداث وقيعة بين مصر والسعودية ، وكأن التمزق الموجود حالياً في أوصال الأمة لا يكفيهم، نسوا مرة أخرى الموضوع الأصلي واستنزفوا عقولهم ووقتهم لمحاولة معرفة السبب من ذهاب أوباما للسعودية قبل أن يلقي خطابه من القاهرة، ومنهم من رجح أن السعودية قد غضبت بسبب إختيار أوباما للقاهرة ومنهم من قال أن مصادر معينه نبهت أوباما إلى أنه كان سيهدم كل شىء إن هو لم يذهب للرياض أولاً.
والحقيقة أن الشقاق والأزمات أمور موجودة فقط في أذهان هؤلاء ، لأن الواقع يؤكد أن مصر والسعودية دولتان كبيرتان وأنهما يرتفعان فوق كل هذه الصغائر التي يروجها المأزومون.