لأسباب عديدة لا يمكننا أن نأخذ ما تطلقه منظمات حقوق الإنسان من تقارير ومواعظ على أنه شيء مسلم به، مهما كان بريق الشعارات التي تطلقها، فالكيل بمكيالين وربما بمكاييل متعددة أصبح أمرا واضحا في عمل هذه المنظمات، وهناك أسئلة منطقية عديدة ليس بمقدور القائمين على هذه المنظمات أو المبهورين بأدائها أن يجيبوا عليها إجابات شافية.
لا نتحدث فقط عن كون هذه المنظمات تستخدم من قبل بعض الدول الكبرى لتنغيص حياة غيرها من الدول كمسوغ للتدخل في شؤون هذه الدول عند الحاجة، ولكننا نتحدث عن أمور أخرى كثيرة تجعل عمل هذه المنظمات محل شك.
أول هذه الأمور أن هذه المنظمات في معظمها جاءت إلى الوجود بموجب فلسفات وثقافات ومفاهيم غربية قد لا تتناسب في بعض منها مع الثقافات الأخرى، خصوصا ثقافات الدول الإسلامية. فما يراه الغرب حقوقا أكيدة للمرأة مثلا، قد لا يكون بنفس الشكل في الثقافة الإسلامية، وقد يتم في الغرب إطلاق الحرية الجنسية إلى مدى أبعد مما يسمح به الدين الإسلامي، كأن يتم تقنين زواج المثليين وإقرار حقوق معينة لأطراف هذا الزواج في الغرب، هذه الحقوق تصبح بمرور الوقت ضمن حقوق الإنسان التي تلتزم الدول بالمحافظة عليها، ولكن هذا لا يمكن أن يحدث في الدول الإسلامية. وهناك مثال على ذلك في الولايات المتحدة، حيث تم الترخيص لأحد (رجال) المارينز السابقين بممارسة مهنة الدعارة أسوة بالنساء اللاتي احتكرن هذه المهنة منذ زمن طويل. ربما أرادوا بذلك أن يحققوا المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في بلادهم، ولكن هذا لا يمكن أن يحدث في بلاد المسلمين، لا من قبيل المساواة ولا من أي قبيل آخر.
والأمر الثاني الذي يضر بمصداقية هذه المنظمات أنها تتجاهل تماما ما يحدث من انتهاكات صارخة وحقيقية في الدول الكبرى، وهي لا تنكر ذلك ولا تقدم تفسيرا مقنعا له، وهذا يؤكد أنها تعمل إلى جانب أدوات أخرى على تحقيق مصالح الدول الكبرى وإضفاء نوع من الشرعية على تدخلات هذه الدول في شؤون غيرها.
الأمر الثالث هو أن الدور الذي تقوم به هذه المنظمات الغربية في اللعب على “الكلاش السياسي” الموجود في كل دولة وتقوية الإحساس بالتهميش لدى بعض الفئات بات أمرا مكشوفا بشكل يجعل المرء يفقد الثقة في عمل هذه المنظمات.
أما الأمر الرابع، فهو استناد هذه المنظمات لمصادر غير محايدة لها مواقف مسبقة ومعادية لحكومات البلاد التي يعيشون ويجدون مهربا وحماية في الانتساب لهذه المنظمات أو إمدادها بالتقارير غير الموضوعية.