سألت صديقا مصريا عن ما يجري في مصر حاليا من احتجاجات فئوية واضرابات ومطالب تثقل كاهل البلاد، فرد علي قائلا: الثورات يخطط لها الحالمون وينفذها المغامرون، ويجني ثمارها الأنذال، وما يجري في مصر حاليا عبارة عن محاولات من كثير من الأنذال لجني ثمار الثورة التي حدثت ولم يكن لهم فضل فيها.
فقلت له، هل مصر معرضة للخطر حاليا، رغم أن التغيير الذي حدث يعبر عن رغبة أغلبية المصريين، فرد قائلا ان الخطر قائم حتى الآن، فإما ان نصبح أمة عظيمة فعلا، وإما أن ننزلق إلى الهاوية.
فسألته: ماذا تحتاج مصر الآن لكي تصبح أمة عظيمة وتنجو من السقوط لا قدر الله؟ فأجاب ان مصر تحتاج إلى اصحاب الضمير الحي الأوفياء لبلدهم ان يعملوا من أجلها وأن يسكتوا لفترة عن مطالبهم الفئوية، لأن بلدهم في محنة وتحتاج الآن لمن يبنيها، لا من يسعى ليل نهار لتحقيق مكاسب شخصية… مصر تحتاج إلى فترة نقاهة بعد هذه الجراحة الكبيرة التي أجريت وكانت عناية الله حاضرة أثناء تنفيذ هذه الجراحة ومرت اللحظة الحرجة بسلام واستجاب الله لدعاء المؤمنين من أبنائها، ولم تسقط البلاد في الفوضى كما تصور وتمنى اصحاب المصالح والكارهين لمصر في داخلها وخارجها.
وواصل صديقنا حديثه قائلا “إن أشد ما آلمني خلال الفترة الماضية ان المتعلمين وأصحاب المكانة الاجتماعية والدخل المعقول هم الذين ثاروا وطالبوا بمطالب فئوية فيما بعد الثورة، وقاموا بإرباك المجلس العسكري ورجال القوات المسلحة العظماء الذين أنقذوا هذه البلاد من الضياع، وأربكوا رجلا كله وفاء وحب لبلده هو رئيس الوزراء الحالي الذي لا يكاد يفرغ من مشكلة حتى يدخل في غيرها.
كنا نتمنى على أطباء مصر (والكلام لصاحبنا) أن يكونوا على درجة من التحمل والعطاء في هذه المرحلة وأن يكونوا أطباء لمصر الجريحة حتى يلتئم جرحها، بدلا من ممارسة الإضراب وتحميل البلاد ما لا تطيق… كان لابد للأطباء بالذات ان يساعدوا في علاج بلدهم حتى تقوم ثم يجنون الثمار مع غيرهم من أبناء الشعب، ولكنهم للأسف انحازوا لأنفسهم وقاموا بمعاقبة رجال لا يستحقون العقاب، قاموا بمعاقبة طاقم السفينة الذي يكافح من أجل حمايتها من الغرق… الأطباء فئة متعلمة وراقية وكان من المفترض أن يدركوا أن الذين يديرون مصر حاليا يقدمون كل ما في وسعهم وأنهم أقصى ما يمكنهم على قدر الذي وجدوه في الخزائن بعدما حدث ما حدث، وان عدم القدرة على الوفاء بكل المطالب ليس عن جحود أو فساد ممن يديرون البلاد ولكنه بسبب ضيق ذات اليد”.
وبحزن عميق قال لي: هل تعلمين يا عزيزتي أن أصحاب الرواتب الضخمة من العاملين بالبنوك مارسوا الاحتجاج والإضراب اكثر من غيرهم ممن لا يجدون الكفاف! سمعناهم يقولون ان عشرة آلاف جنيه لا تكفيهم، بينما الذين يحصلون على ثلاثمئة جنيه في الشهر جلسوا متفائلين على أمل أن يأتيهم المستقبل بما هو أفضل!
وسألت سؤالا أخيرا: هل تعتقد ان القوى التي كانت تعادي مصر، ومن بينها إيران وحزب الله أيام النظام السابق، ستغير موقفها من مصر بعد رحيل النظام، فقال ان إيران وحسن نصر الله يكرهون مصر كلها ولا يريدونها قوية، لأن قوتها وعودتها لقيادة الأمة أكثر ما يزعجهم، أما موقفهم إبان النظام السابق فكان نوعا من المزايدة من خداع الشعوب العربية والتمدد داخلها.
ثم ابتسم، وابتسمت معه ابتسامة كلها مرارة.
وانتهى الحديث…