تعددت المشاهد الفلسطينية العبثية خلال الأيام الماضية بشكل لا يبشر بأي خير حول مستقبل القضية الفلسطينية . من بين هذه المشاهد ثلاثة وقعت يوم الجمعة 14 أغسطس . المشهد الأول كان بطله السيد إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني المقال وهو يخصص خطبة الجمعة بكاملها للهجوم على حركة فتح وانتخاباتها واتهامات التزوير التي وجهت لها ، إلى جانب التأكيد على أن غزة لا يوجد بها مقاتلون أجانب ولا يوجد بها أعضاء في تنظيم القاعدة.
أما المشهد الثاني المقابل بكل تفاصيله للموقف الأول فهو لرجل سمعنا عنه لأول مرة يقال له زعيم تنظيم جند الله ، هو أيضاً يخطب الجمعة ولكن مع وجود تفاصيل أخرى في الصورة ، فالرجل محاط بمجموعة من المسلحين أقرب إلى الأشباح منهم إلى البشر وكأنهم في حرب وليس في صلاة . لا أبالغ إذا قلت أن هذه الصورة بتفاصيلها لمن وصفوا بأنهم جند الله، هي أسوأ تعبير عن الإسلام والمسلمين بل عن الصلاة نفسها. ولنتخيل عندما تنقل وسائل الإعلام هذا المشهد إلى أركان العالم .
لكن الأسوأ في هذه الصورة هو أن أصحابها المدججين بالسلاح لم يكونوا في حالة حرب مع إسرائيل ولكنهم في حالة حرب مع فصيل فلسطيني آخر سبق له أيضاً الانشقاق على غيره – ولستُ هنا في مجال بحث من هو المخطئ- فالمهم هو أن الانشقاقات تتواصل انفجاراتها كالقنابل العنقودية !
إسرائيل كانت أعلنت قبل المجزرة التي وقعت في غزة أن تنظيم القاعدة موجود في غزة ، وهذا يؤكد أن الفلسطينيين مخترقون من قبل الموساد الإسرائيلي حتى النخاع وأن هناك كثير من الخونة يتولون ضرب الوحدة الفلسطينية بالنيابة عن إسرائيل. وأنا هنا لا أقصد فقط أن هناك من يتجسس لصالح إسرائيل بين الفلسطينيين ولكني أقصد أنه تم الانتقال إلى مرحلة جديدة يتم فيها تنفيذ مخططات إسرائيلية على الأرض ، حيث التجسس ونقل المعلومات للعدو قضية مسلم بها سلفاً ولا تحتاج إلى تأكيد.
وبالعودة إلى الخراب الأعظم الذي يتحمل طرفاه كل ما سيلحق بالقضية الفلسطينية من ضرر خلال المرحلة القادمة، وليس فقط الإنشقاق الجديد في غزة ، وهما فتح وحماس، سنجد أن المحتوى الإعلامي لحملة التلطيخ المتبادلة بين الطرفين يؤكد أن حركتي فتح وحماس قد اتخذت كل منهما الأخرى عدواً بديلاً عن إسرائيل.
وما أقدر القيادات الفلسطينية على الحديث وتنميق الجمل ، وما أقدرهم على إنتقاء أحدث وأرقى وأغلى ربطات العنق في العالم ، في الوقت الذي يموت فيه الضحايا الحقيقيين لهذا الإنشقاق جوعاً.
في ظل هذا الشقاق الفلسطيني الذي غذته التصريحات المتبادلة خلال الفترة الماضية ، لا يتوقع أن يتفق الفلسطينيون على رد واحد يتم توجيهه إلى الإدارة الأمريكية عندما يتم الإعلان عن التصور الأمريكي لصنع السلام في المرحلة القادمة ، ولا يتوقع أي شيء إيجابي للقضية برمتها خلال المرحلة القادمة . فالمعطيات الحالية تؤكد أن القضية الفلسطينية لا يمكن أن تتقدم خطوة في ظل القيادات الحالية، هذا إن لم يتم تصفيتها على أيديهم، بعد أن تشربوا بالعناد ومشوا في طريق اللاعودة.
زبدة القول:
يقول أحد العارفين بالعلاقات الدولية : “ الدول تشبه العربات المتصادمة في الملاهي : حيث تمثل سيكولوجية السائق عاملاً حاسماً في فهم أي طريق ستسلكه السيارة وبأي سرعة “ .