مجالس البحرين

مجالس البحرين

المجالس البحرينية يجب أن تظل دوما سمة وعلامة للمجتمع البحريني مهما مضت السنون، ومهما ضربتنا الحضارة الحديثة بجديدها، ومهما اشتد صراع الحياة وتغولت القيم المادية في حياتنا.
فالتواصل الذي تحققه هذه المجالس يخلق جوا صحيا ويحدث نوعا من التفريغ العاطفي والتنفيس ويحمي المجتمع البحريني من التطرف والإرهاب، مهما كانت المحاولات الدؤوبة التي تريد ذبح الوئام داخل المجتمع البحريني وجره نحو العنف والدمار.
هذه المجالس لا تحقق التواصل الاجتماعي فحسب، ولكنها بمثابة منتديات فكرية وسياسية وأدبية يتحقق فيها التلاقح الفكري وتبادل الأفكار بين أصحاب التخصصات المختلفة من ناحية، وبين الأجيال المختلفة من ناحية أخرى، فالصغير يتعلم من الكبير، والكبير يستمع إلى أفكار الصغير وهمومه.
في المجلس الواحد يمكنك أن تستمع للمفكر والكاتب والسياسي والنائب البرلماني والطبيب والمدرس والوجيه والتاجر والطالب وتصنع لنفسك ثقافة متكاملة وتأخذ من كل بستان زهرة.
عندما يلتقي كل هؤلاء في مجلس واحد تجد نموذجا كاملا وفريدا للبحرين وأهلها، كل يعبر عن همومه وآرائه السياسية ومواقفه من القضايا الدولية والإقليمية وينقل لمن هم دونه سنا وعلما ما ينقصهم لكي يكونوا رأيا فيما يجري حولهم، بطريقة تعجز عن صنعها برامج الحوار في قنوات التلفزيون، وتعجز عن صنعها البرلمانات مهما كانت درجة تمثيلها الشعب.
يسافر من إخواننا وأبنائنا من يسافر للخارج من أجل الدراسة ويحصل من العلم والمعارف ويندمج مع ثقافات مختلفة ويحتك بأبناء الحضارة المادية، ولكنه يعود بعد حين إلى مجلسنا بكل بساطة وأدب لينقل لغيره ما علمه من تجارب وما حصله من معارف.
وقد يفاجأ الحاضرون بين لحظة وأخرى بقدوم احد الوزراء، بل سمو رئيس الوزراء نفسه بكل بساطة وتواضع ليكون واحدا منهم، يستمع لهم عن كثب دون وسيط يحرف مطالبهم أو نائب يزايد ويتاجر بها.
إنها بساطة البحرين وجمالها أن تجد نفسك جالسا دون عناء منك إلى جوار رئيس الوزراء تقول ما تريد.
التلقائية التي يتحدث بها الناس هي أصدق تعبير وأبلغ رسالة ينقلونها إلى المسؤول دون مزايدة أو تصفية حسابات.
ذات مرة قال لي أحد الأصدقاء العرب أن المجالس البحرينية تقدم لمن يأتي للبحرين لأول مرة كل ما يريد معرفته عن البحرين وأهلها، وأن سهرة واحدة في أحد المجالس تغنيه عن قراءة مئة كتاب عن البحرين، فأنت تستطيع التعرف على الكبير والصغير وتعرف كيف يعيش البحرينيون وكيف يفكرون والأهم من ذلك كله انك تستطيع تكوين صداقات في كل المجالات من خلال ارتيادك لهذه المجالس.
نتمنى أن تبقى هذه المجالس متنفسا وعمقا ومدارس للبحرين وأهلها، وألا يأتي اليوم الذي نعتبرها شيئا من الماضي، لأن البحرين ستظل بخير مادام التواصل موجودا ومادامت روح الأسرة الواحدة تجمع الكبير والصغير.