بقليل من الموارد الطبيعية تحولت الزيادة السكانية الهائلة في الصين إلى قوة جبارة، واستطاعت الصين أن تصبح دائنة للولايات المتحدة. أما نحن العرب، بخاصة في الخليج العربي فلم نحقق كثيرا على رغم ما حبانا به الله من موارد طبيعية هائلة. فما هو السبب الذي جعلنا نبقى حتى الآن – أي بعد مرور ثمانية عقود تقريبا على تدفق النفط – مجرد مستهلكين لما أنتجته الحضارة الغربية؟ وهل فشل العالم العربي في إدارة موارده الطبيعية والبشرية؟
في تقديري المتواضع أن نقطة البداية التي انطلقت منها الصين أو غيرها، هي التعليم، والمقصود هنا هو التعليم الذي يتناسب مع احتياجات المجتمع، وتوظيف البحث العلمي لتطوير استغلال الثروات الطبيعية وتحويلها إلى قيمة إنتاجية وصناعية. فعندما يأتي اليوم الذي تستطيع فيه دول الخليج أن تبني جيلا من المتعلمين يكون قادرا على صنع التطور واستغلال الفوائض المالية الكبيرة في بناء المشروعات والمصانع التي تجعل الاقتصاديات الخليجية في مأمن من أي هزات اقتصادية عالمية على النحو الذي حدث في دبي، ساعتها يمكن أن نشعر بالأمان فيما يتعلق بالمستقبل، حتى وإن نفد النفط ونفدت كل الثروات الطبيعية.
الدول العربية لا بد أن تعتمد على إمكانياتها الذاتية من أجل صنع تقدمها، ليس فقط لأن استقدام المديرين والخبراء الأجانب يكلف مبالغ طائلة – في وقت يعاني فيه من يحملون الشهادات العليا في بلادنا من البطالة – ولكن لأنه ليس بالضرورة أن تنجح أساليب الإدارة المتبعة في الغرب في تحقيق التقدم في بلادنا.
لقد قرأت أن عام 2009 شهد نزوح عدد هائل من المديرين الفاشلين بعد طردهم من المؤسسات التي حققت خسائر في الغرب، وفي مقدمتها البنوك، انتقلوا إلى منطقة الخليج العربي تحديدا، ليتقاضوا رواتب تفوق التي كانوا يتقاضونها في المؤسسات التي كانوا يديرونها وتسببوا في سقوطها وإفلاسها.
إذا كان ما نشر في هذا الشأن صحيحا، فهذا أمر يدعو للأسى، فكيف تستعين الدول العربية بخبراء كانوا سببا في انهيار المؤسسات المالية في بلادهم؟ وإذا كان هؤلاء قد فشلوا في دول متقدمة، فماذا بوسعهم أن يفعلوا في دول لا تزال في طور النمو؟
وإذا كانت الصحف البحرينية قد نقلت قبل أسابيع عن أحد التقارير أن التحويلات المالية للعمَّال والعاملات الفلبينيين في البحرين إلى بلدهم بلغت نحو 125 مليون دولار في تسعة أشهر حتى نهاية سبتمبر 2009، على رغم الأزمة المالية العالمية الطاحنة التي تعصف بالأسواق، فما هو حجم التحويلات التي ينقلها الخبراء الكبار والمستشارون والمديرون القادمون من الغرب إلى بلادهم؟
ليس المقصود هنا هو التخلص من الخبراء والمديرون الأجانب – فهذا لا يحل المشكلة في الوقت الحالي – ولكن المقصود هو ضرورة صنع جيل جديد يستطيع أن يفعل ما يفعله الأجنبي، بدلا من الشكوى من البطالة والشكوى من التجنيس، فلا يعقل ألا نكتفي ذاتيا بعد ثمانية عقود من تدفق النفط في بلادنا.
بثينة خليفة قاسم