قبل تسعة عشر عاما انطلقت قناة الجزيرة الفضائية بعدما استطاعت بإمكانياتها المادية الهائلة التي لا يتمتع بها غيرها من وسائل الإعلام، استطاعت أن تجلب المذيعين البارعين لغويا أصحاب الأصوات الفخمة والوجوه الجذابة، ليبدأ بث هذه القناة بإمكاناتها الكبيرة وسط قنوات عربية أرضية بليدة في أدائها فقيرة في مضامينها، ولتتمكن الجزيرة في هذا الوضع الإعلامي من إدهاش المشاهد العربي وإبهاره، كونها كسرت التابو وقدمت الجديد للمواطن العربي الذي لم يكن يدرك أهداف الجزيرة في ظل أوضاع معينة كان يعيش فيها.
وجاء صوت جمال ريان، أول مذيع يظهر على شاشتها، جهوريا فخما يشد المشاهد ويذكر الكبار بإذاعة صوت العرب ومذيعيها في عصر عظمتها عندما كان العرب من المحيط إلى الخليج يستمعون إليها.
ومرت السنين واستمرت حالة الانبهار بالجزيرة وأبطالها ولم يتبين أحد – لفرط تخلف الإعلام العربي – أن الجزيرة قد أنشأت من أجل تفخيخ العالم العربي وتفجيره من داخله خدمة للقوى المستفيدة من هذا التفجير، ولم نفهم إلا بعد وقت طويل أن أبطال البلاغة والوجاهة ليسوا سوى واجهات براقة لمشروع الخراب الأعظم للأمة العربية.
ثورات الخراب العربي كشفت الكثير والكثير وأسقطت الكثير من هؤلاء الذين خدعونا ووضعوا لنا السم في العسل.
مذيع الجزيرة الذي يفتخر بأنه أول مذيع انطلق صوته من هذه الفضائية قبل تسعة عشر عاما أطل يوم ذكرى انطلاق الجزيرة على تويتر بتغريدات غريبة، حيث عبر عن ابتهاجه وفرحته الغامرة بفوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التركية بحوالي خمسين بالمئة من أصوات الناخبين، واعتبر المذيع الكبير أن هذا الفوز لحزب أردوغان بمثابة ضربة كبيرة لمصر، وأشاد بالديمقراطية التركية العظيمة ووصف ديمقراطية مصر بأنها ديمقراطية زائفة!
فما العلاقة بين نجاح حزب أردوغان بخمسين بالمئة أو عدم نجاحه، وبين مصر وديمقراطيتها وما يجري فيها؟ هل كان الحزب الآخر المنافس لأردوغان حزبا مصريا أو مواليا لمصر؟
أردوغان في كل الأحوال لا يملك شيئا ينفع مصر أو يضرها، لأنه يواجه مشكلات كبيرة داخل بلده وليس لديه من القوة ووسائل الضغط ما يجعله ينال من مصر أو من غيرها كما يريد أنصار الجماعة الإرهابية.
أردوغان سيأخذ تركيا في طريق الانشقاق والإرهاب وعدم الاستقرار حتى إن فاز حزبه بخمسين بالمئة.
وحتى لو افترضنا أن فوز حزب أردوغان أمر ينال من مصر أو من نظامها الحاكم، فما الذي يسعد الأخ ريان في أمر كهذا؟ ما الذي يمكن أن تقدمه تركيا أردوغان، المرفوض من نصف شعبه، للأمة الإسلامية؟ وما الذي يمكن أن يؤدي إليه إسقاط النظام في مصر، كما يتمنى الأخ ريان، وعودة نظام الإخوان؟
على كل حال فالأخ ريان في تغريداته يعبر عن انتماء تام وتوافق فكري وتكتيكي مع القناة التي يكسب منها عيشه، ولكنه بات مكشوفا وغير مستساغ على عكس ما كان عليه عندما ظهر على الشاشة أول مرة وشنف أذاننا بإلقائه الرصين.