ليست الأحزاب المصرية الكرتونية وحدها هي التي تطفلت على ثورة الشباب المصريين، وليست جماعة الإخوان المسلمين وحدها هي التي تعاملت بانتهازية مقيتة مع الثورة الشبابية المصرية، ولكن الانتهازية والتطفل قد امتدا إلى خارج الحدود المصرية، ورأينا شخصيات خارجية تخرج فجأة لتتحدث عن هذه الثورة وتحاول عبثا أن توجد خيطا معينا يربطها بها، وهي أبعد ما تكون عنها فكرا وتأثيرا.
شيء عجيب حقا أن يخرج المرشد الأعلى للثورة الإيرانية على المصلين في صلاة الجمعة لكي يتحدث عن الثورة المصرية وينتقد القمع والظلم في مصر وكأنه لم ير القمع الذي وقع في إيران خلال الأحداث الدامية التي وقعت فيها احتجاجا على نتائج الانتخابات الرئاسية الماضية، هل نسي المرشد الأعلى الدماء التي سالت والإهانات التي لحقت بالكثير من رجالات الثورة الإيرانية ممن أعلنوا احتجاجهم على تزوير الانتخابات ولجأوا إلى الشارع؟
المرشد الأعلى قال إن الثورة المصرية والتونسية صحوة إسلامية، وشبه الثورة المصرية بالثورة الإيرانية، ونسي أن الثورة الإيرانية قد أكلت أبناءها، دون أن يحتج هو على ذلك، ودون أن يوجه كلمة نقد واحدة لعمليات القمع الوحشية التي مورست ضد المحتجين على نتائج الانتخابات.
إنني أتذكر أن إيران اعتبرت مقالا في جريدة بحرينية تدخلا في شئونها الداخلية، رغم أن هذا المقال كان يتناول احتجاجات شعبية إيرانية تشبه الاحتجاجات المصرية في شكلها وفي أسبابها، فكيف لها أن تدخل على خط الأحداث في مصر بهذا المستوى؟
وطالما أن المرشد الأعلى الإيراني تحدث عن الأحداث في مصر، فلابد أن يتحدث السيد حسن نصر الله هو الآخر، وإن كان ذلك بشكل مختلف، فقد وجه نصر الله رسالة دعم صريحة للشباب المتظاهرين، وقال إن حزب الله يضع كل إمكانياته لخدمة ثورة الشباب المصريين!!. فما هذا التزامن بين تصريحات المرشد وبين تصريحات السيد نصر الله؟ أليس من الأجدر بحزب الله أن يضع إمكانياته في خدمة لبنان وحل مشكلاتها؟
لابد أن يفهم الجميع أن مصر لن تكون لبنانا جديدا، حيث فريق يأخذ توجيهاته من إيران، وآخر يأخذ توجيهاته من الولايات المتحدة، ولن يكون في مصر جيشان، أحدهما نظامي يتبع الدولة والآخر ميليشيا تتلقى سلاحها وتدريبها من الخارج. المصريون نسيج واحد ولن يربطوا أنفسهم بأجندات خارجية، ولن يقبلوا بتمويل خارجي أو تسليح خارجي، ولذلك فلن يتأثروا بمزايدات وتمنيات المتطفلين الذين يربطون أنفسهم بثورتهم دون سبب أو مناسبة.
إيران تريد أن تضع نفسها في قلب الأحداث في مصر لأسباب تتصل برغبتها الواضحة في الهيمنة على المنطقة برمتها، والولايات المتحدة تريد ضمان أمن إسرائيل وتريد للتغيير الذي يحدث في مصر أن يكون على هواها، ولذلك شعرنا بتذبذب الموقف الأميركي وتحوله من الدعوة إلى نقل السلطة “الآن” إلى الدعوة إلى الانتقال التدريجي للسلطة.
ولكن الشعب المصري هو الذي سيقرر مصيره ومواقفه المستقبلية من كافة القضايا، لأن مصر تغيرت بالفعل، وسوف تكون هناك انتخابات ترفع هذا وتخفض ذاك، وبالتالي لن يتسنى لأي نظام قادم أن يربط نفسه بمواقف أو تحالفات يرفضها الشعب، وسوف تتأثر المنطقة برمتها بالتغيير الذي سيحدث في مصر.