اعتقد الليبيون واعتقد الكثير من العرب أن طائرات حلف الناتو التي أطلقوا عليها “الطير الأبابيل” سوف تنقل ليبيا من طغيان القذافي وفساده إلى الديمقراطية والحرية والأمن والأمان، فإذا بها تأخذ ليبيا نحو الهاوية.
الناتو لم يسقط القذافي ونظامه، ولكنه في الواقع أسقط الدولة الليبية برمتها وفكك كل مؤسساتها وحولها إلى درجة من السيول التي يصعب السيطرة عليها، فكان ما نراه الآن من ضياع للأمن والأمان.ليبيا تعيش الآن أخطر اللحظات خلال تاريخها، فبعد عامين على سقوط معمر القذافي لم تصل ليبيا بعد إلى بر الأمان، بل ازدادت أوضاعها سوءا عن الذي كانت عليه أيام النظام السابق. فبحسابات المكسب والخسارة حتى الآن تجد أن الشعب الليبي انتقل من سيء إلى أسوأ، فالاستبداد موجود والمشكلات الاقتصادية ازدادت حدتها، والأمن ضاع بالكلية، وأصبحت ليبيا أسوأ مكان في العالم. بعد إسقاط القذافي من قبل حزب الناتو، تم انتخاب مجلس وطني، ثم تشكيل حكومة استنادا لهذا المجلس، وتم عمل قانون للعزل السياسي لإبعاد كل رجال القذافي عن المشهد السياسي، وهو القانون الذي لم يرحم أحدا حتى الذين انضموا للثورة، ولكن لم تأت اليوتوبيا التي انتظرها الليبيون بعد زوال الطاغية. فالحكومة لم تستطع فرض سيطرتها على أرجاء البلاد ولم تستطع إدماج المليشيات المسلحة في الجيش والشرطة، فانطلقت هذه المليشيات تفعل ما تشاء في أرجاء البلاد. الكلمة العليا في البلاد هي للمليشيات المسلحة التي سيطرت على كل شيء حتى حقول النفط التي هي أساس الاقتصاد الليبي. وطالما أن هناك مليشيات مسلحة تستخدم من قبل جماعات ومن قبل قبائل ومناطق معينة، فلن يكون هناك اتفاق على أية عملية سياسية، وسوف يسعى كل فصيل إلى فرض سيطرته على شؤون البلاد، وإن فشل في ذلك فسيحاول الانفصال بما لديه من أرض. وسوف يكتشف الليبيون بعد فوات الأوان انهم تعرضوا للتضليل وتعرضوا لمؤامرة كبيرة نقلتهم من استبداد القذافي إلى استبداد المليشيات المسلحة وإلى التقسيم. إننا لا ننتقد الوضع الحالي لكي ننصف أو نمدح الوضع السابق، فلا أحد يستطيع أن يدافع عن أي نظام فاسد، ولكننا ندق ناقوس الخطر للشعب الليبي الذي سيدفع الثمن غاليا إن لم يقف صفا واحدا في وجه المؤامرة التي تسعى لإزالة ليبيا الموحدة من على الخريطة. يبدو ان حسني مبارك كان على حق في آخر قرار اتخذه عندما أسند إدارة شؤون البلاد للقوات المسلحة ثم رحل، ولم يعط أوامره للجيش بأن يقتل الثوار كما فعل القذافي والأسد، فبقي الجيش المصري متماسكا وبقي محترما لدى شعبه، واستطاع حتى اللحظة ان يقي مصر شر الاحتراب الداخلي، رغم تواصل العمليات الارهابية الدنيئة وإصرار الجماعة الارهابية على إسقاط البلاد في الفوضى.
زبدة القول:
الديمقراطية التي ينادي بها الجميع لا يمكن ان تحقق أحلام شعوب غير مستعدة لممارستها.