الكثير منا أيد الإجراءات الحكومية الساعية إلى تقليص الدعم الذي يذهب إلى غير مستحقيه،خاصة دعم المحروقات والرعاية الصحية لمن لا يستحقها، وغيرها من أوجه الإنفاق التي تكلف ميزانية المملكة ولا تؤدي الغرض منها باعتبار أنها تزيد الغني غنى، وتزيد الفقير فقرا.
والغالبية العظمى من أبناء البحرين تؤيد اتخاذ إجراءات تقشفية فيما يتعلق بالنفقات الحكومية الخاصة بسفرات الوزراء ومرافقيهم، والتقليل من السفرات التي تكون تكلفتها أكثر من العائد من ورائها، والاكتفاء بمدير واحد يصحب الوزير في سفرته بدلا من مجموعة مديرين، وتقليص الزيادات السنوية في رواتب أصحاب الوظائف العليا (دون أن نسمي هذه الوظائف حتى لا نزعج أصحابها) على اعتبار أن هذه الرواتب متضخمة وكبيرة بطبيعتها ولن يحدث شيء إذا ما قللنا أو حتى أوقفنا زيادتها لعامين أو ثلاثة، فالذي يحصل على أربعة أو ثلاثة آلاف دينار في الشهر لن يضار كثيرا إذا ما أخذ ثلاثة آلاف أو ألفين وسبعمئة دينار، ولكن من يحصل على مئتي دينار أو حتى سبعمئة دينار حتما سيتأثر إذا ما تم تحميله كل تبعات الأزمة المالية من إلغاء للدعم ورفع للأسعار، وغيرها من الإجراءات التقشفية. فليس من العدل أن يكون الفقراء هم الضحايا الدائمون للهزات الاقتصادية.
هناك إذن العديد من الوسائل التي يمكن لأهل الفقه في مجال الاقتصاد أن يبتكروها لتوفير المخصصات الحكومية والتغلب على آثار الأزمة المالية دون المساس بأصحاب الدخل المحدود.
صحيح أن صندوق التقاعد قد أصيب بالضرر بسبب الأزمة المالية، وأن استثمارات هذا الصندوق لم تعد كما كانت، وأن هذا أدى إلى عجز اكتواري واضح كما يبين أصحاب الفقه في هذا الشأن، ولكن سعي الحكومة لتحميل تبعات ذلك لأصحاب الرواتب التقاعدية عن طريق تأخير سن التقاعد من 60 إلى 65 عاما هو سعي يحتاج الكثير من المراجعة، ويحتاج دراسة متمهلة تبين مدى ملاءمة هذا الإجراء للمجتمع البحريني.
هناك دول عربية وأجنبية بصدد الأخذ بهذا الإجراء مثل السعودية ومصر وفرنسا، فهل تأكد لدى الحكومة البحرينية أن ما يناسب فرنسا يناسب البحرين، وهل مجرد أن تأخذ السعودية ومصر بهذا الإجراء معناه أن نقوم نحن في البحرين باستيراد هذا الإجراء دون دراسة؟ أليس من الضروري الأخذ في الاعتبار استطلاع رأي الناس؛ للتعرف على مدى موافقتهم على ذلك، ومراعاة مستوى الصحة العامة للمواطن الخليجي، وطبيعة الجو في منطقة الخليج، وتأثيره على إنتاجية الفرد بعد تجاوز سن الستين.
لا شيء من وجهة نظري يبرر تأخير سن التقاعد سوى دراسة علمية مؤكدة تبين أن مستوى الصحة العامة قد ارتفع لدى الخليجيين عن المستوى الذي كان موجودا عند سن قانون التقاعد المعمول به حاليا، وأن إنتاجية الفرد وقدرته على التحمل يمكن أن تمتد بالدرجة نفسها حتى سن الخامسة والستين، مع الأخذ في الاعتبار أن يعود ذلك على الموظف الحكومي بمزايا ومكاسب، وليس العكس.
“زبدة القول”
لا يجب أن يتحمل المواطن وحده تبعات الاضطرابات الاقتصادية التي تقع في العالم، الحكومة مطالبة بتوفير موارد لسد الفجوة التي نتجت عن الأزمة المالية العالمية، وأدت إلى الإضرار بالعديد من الصناديق، ومن بينها صندوق التأمينات. ونتمنى أن يتجرد نواب الشعب من حب الذات عند مناقشة الأمر، وأن يكونوا أول من يضحي بجزء كبير من رواتبهم الحالية والتقاعدية، ويفضل أن يتم إلغاء رواتب التقاعد نهائيا بالنسبة لهم؛ لأن تمثيلهم للشعب لمدة 4 سنوات مدفوعة الأجر لا يبرر حصولهم على رواتب تقاعد.