رحل نلسون مانديلا بعد أن كتب اسمه بأحرف من نور في سجل التاريخ، مثلما فعل غاندي وعمر المختار وعبدالقادر الجزائري وجميلة بوحيرد، وغيرهم ممن كانت مبادئهم وإصرارهم عليها أقوى من حبهم للحياة فاستحقوا هذا المجد واستحقوا أن يدرسوا لتلاميذ المدارس كنماذج انسانية قلما تتكرر.
كثير جدا من الناس يثورون ضد حكام وضد حكومات وضد أوضاع وقد يدخلون السجون والمعتقلات ويعذبون في حياتهم ولكنهم لا يخلدون كما خلد مانديلا وغاندي وغيرهما ويكون بريقهم بريقا مؤقتا مثل الفقاعة التي تتكون فوق سطح الماء وتبرق ولكنها سرعان ما تنفجر وتزول ويأتي غيرها دون أن تترك أثرا أو تحقق منفعة.
قد يكون لدى الكثير من الناس نفس الإصرار ونفس المثابرة التي تميز بها مانديلا وغاندي ولكنهم يختلفون عنهم في شيئين مهمين، هما الهدف والمنهج.
فمانديلا كان هدفه الوطن وليس المجد الشخصي، ومن هدفه بناء وطن سوف يضع الوطن بين عينيه في كل مراحل كفاحه ويكون دائما على استعداد للتضحية من أجل الوطن ولن يتأثر هذا الاستعداد لديه بتغير موقعه،فهو يضحي وهو ضعيف مطارد ويضحي وهو على رأس السلطة لأنه الوطن هو هدفه وغايته الأصلية،وهذا بالضبط ما فعله مانديلا، أما الذي يتخذ الوطن ويتخذ غيره من الشعارات البراقة وسيلة للوصول الى السلطة، وبمجرد وصوله إلى السلطة يصبح شخصا آخر ويبدأ في التنكيل بغيره وإقصاء غيره فلن يكون له مكان محترم في التاريخ.
الذي منهجه الكفاح السلمي، كما فعل مانديلا وغاندي، يستطيع أن يصل إلى المجد ويستطيع أن يبني وطنا،لأن حرصه على دماء ومصالح أبناء وطنه تجعله يسكن في قلوب الجميع وتجعله غصة ومرارة في حلوق أعدائه وجلاديه الذين لا يستطيعون أن يكيدوا له.
ماذا فعل مانديلا عندما وصل إلى السلطة، وهو الذي مكث في سجون النظام العنصري في بلاده 27 عاما؟ لم ينصب المشانق ولم ينكل بغيره ولم يمارس الإقصاء ضد أحد وترك السلطة وهو قادر على البقاء فيها فبقي في قلوب الناس وفي أنصع صفحات التاريخ.
أتدرون ماذا قال نلسون مانديلا في نصيحته للإخوان المسلمين عندما أمسكوا بزمام السلطة في مصر وبدأوا ينكلون بغيرهم ويقسمون أعداءهم إلى فئات ويقومون بشيطنة كل من يقول لهم لا؟.
لقد قال مانديلا مقولة عظيمة مقتبسا إياها من أعظم عظماء التاريخ الإنساني محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، قال للإخوان المسلمين: “رسولكم قال لأعدائه عندما تمكن منهم “ماذا تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا أخ كريم وابن أخ كريم، قال اذهبوا فأنتم الطلقاء”.
هذا هو الكلام الذي يبني الأوطان ويوقف نزيف الدماء ويحقق الاستقرار ويحقق لأصحابه المجد عبر التاريخ.
زبدة القول:
من أقوال غاندي التي استخلصها من رحلة كفاحه الطويل:
“سوف يتجاهلونك، ثم يضحكون عليك ثم يحاربونك، ثم تنتصر”
“ليس هناك طريق للسلام، بل إن السلام هو الطريق”
“أنا مستعد لأن أموت، ولكن ليس هناك أي داع لأكون مستعدا للقتل”.