“مقولة أن اللغة العربية محمية من الانقراض لأنها لغة القرآن، والقرآن محفوظ برعاية الله” هي الرد الذي يرد به عليك من لا يشعرون بالخطر على مستقبل اللغة العربية في ظل الانقراض المتواصل للعديد من اللغات على مستوى العالم. فهناك 25 لغة تموت سنوياً – حسبما تبين الأبحاث- من مجموع اللغات الموجودة في العالم التي يقدرها الباحثون بستة آلاف لغة. وتتوقع دراسات معينة أن يختفي منها 3000 لغة مع انتهاء القرن الحادي والعشرين.
فهل اللغة العربية محمية من الانقراض لأنها لغة القرآن؟ وهل هذا تبرير كاف ومطمئن تجاه ما تتعرض له اللغة العربية في زماننا من إهمال واستهتار وإهانة جعلها تتحول بالتدريج إلى مجرد مادة دراسية صعبة يتعلمها الطلاب على مضض ويتعاملون معها من منطلق واحد، وهو الحرص على اجتياز الامتحان الخاص بها كما يفعلون مثلاً مع اللغة اللاتينية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى انقطاع الصلة بين الأجيال الجديدة، وبين ما أنتجه العقل العربي في الماضي من فكر وثقافة.
فلماذا هذا الإهمال للغتنا العربية الشاعرة ذات المفردات والتراكيب التي تجعلها بسهولة قادرة على التعبير عن القديم والجديد، عن حياة البداية وعن الحضارة الحديثة بكافة تفاصيلها. فهي غنية كما قال عنها الشاعر:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن / فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
فما الذي جعل العرب، هذه الأمة الكبيرة، الذين شرفهم نزول القرآن بلغتهم، أن يهتموا باللغات الأجنبية، خاصةً الإنجليزية ويهملوا لغتهم الجميلة نطقاً واستماعا؟ وما الذي جعل الآباء يرسخون في أذهان أبنائهم أن الإنجليزية أعلى درجة من لغتنا العربية، ويفرحون ويفتخرون بأبنائهم عندما يتحدثون الإنجليزية بطلاقة، ولا يرف لهم جفن عندما يكتشفون أن أبناءهم ينسون أحياناً ويكتبون اللغة العربية التي هي لغتهم الأم من اليسار إلى اليمين تأثراً بالتعليم الأجنبي الذي ينالونه؟ ولماذا أصبح مدرس اللغة العربية أقل مكانة لدى الناس والطلاب من مدرس اللغة الأجنبية؟ وهل لهذا الوضع علاقة بتفوق الناطقين بالإنجليزية من العلم والتكنولوجيا وإنتاج الفكر في العصر الذي نعيش فيه؟
هذا الافتراض الأخير قد يكون صحيحاً، ولكن مثله مثل مقولة: “أن العربية محمية من الانقراض لأنها لغة القرآن”، لأن كلا الأمرين لا يبرر إهمال اللغة العربية وتضييعها بأيدي أبنائها… وللحديث بقية.