ما يقوله الشيخ عيسى قاسم على منبر رسول الله لا مثيل له على مستوى العالم كله، ليس لأن البحرين أكثر حرية من كل دول العالم ولأنها تترك من يسمون برجال الدين يقولون ما يريدون، ولكن لأن منابر الدين لها قدسيتها واحترامها في الدول الأخرى لدى الذين يصعدون عليها ويقولون للناس ما ينفعهم في آخرتهم ودنياهم.
لا يمكن أن يتحدث أي رجل دين على منبر مسجد أو كنيسة بهذا التفصيل عن أمور السياسة كما يفعل عيسى قاسم.
وعلينا ان نقوم بعرض خطبة الجمعة الماضية على خبراء اللغة وعلماء النفس وأساتذة تحليل المضمون وننتظر منهم الاجابة على هذا السؤال: هل هذه خطبة جمعة؟ وما هو الفرق بين ما يقوله الشيخ على المنبر وما يقوله رئيس الحزب السياسي المقدم على خوض الانتخابات؟ وماذا في خطبة قاسم يجعل الذي يسمعها أو يقرأها يقول إنها خطبة دينية وليست شيئا آخر؟
وإذا كان في البحرين من يتحدثون ويكتبون ويبدعون في مسألة السياسة ويملأون الدنيا ضجيجا عن الإصلاح والحرية من خلال الصحف والمجالس والإعلام الالكتروني وغيره من الوسائل، فما هي الحاجة لاستخدام المنبر في نفس الغرض وبهذه الطريقة الفجة.
لا نقصد طبعا ان حديث السياسة والاحتجاج على الحكام محرم على المنابر، ولكننا نتساءل: هل يجوز أن تتحول خطبة الجمعة بكاملها إلى خطبة سياسية لا تختلف في شيء عن ما يقوله المرشحون في الانتخابات وما يلجأون إليه من مغالطات وتحريض وتلطيخ لغيرهم وتزيين لأنفسهم؟
وإذا عكسنا السؤال وسألنا عن حجم ما في الخطبة من حديث عن الدين والآخرة والعودة إلى الله والصلاة والاستغفار والصيام وبر الوالدين، فلن نجد شيئا من هذا، وبناء عليه فهذه ليست خطبة دينية، ومن حقنا ان نقول إن هذا الرجل رغم مكانته الدينية عند أتباعه إلا أنه يسيء استخدام المنبر الديني الذي يستخدم في الإصلاح الحقيقي وليس في اللعب بالألفاظ وتحريض الناس على الشر.
قبل أن يتحدث الشيخ عن الإصلاح الذي يطالب الحكومة به، لابد أن يقوم هو بتخصصه في الإصلاح الديني وفي هداية الناس ودعوتهم للسلام والمحبة بدلا من دعوتهم إلى الانشقاق وإذكاء الطائفية في نفوسهم.
بأي حق وهو على المنبر يتحدث باسم الشعب كله، هل لديه تفويض من الناس أو وحي من الله لكي يقوم بما يقوم به من حديث بعيد كل البعد عن المنبر.
كيف يكون دور المنبر الديني هو إضفاء القداسة والشرعية على ما تقوم به فئة من البشر من أعمال السياسة والتحريض والتظاهر وحرق الإطارات والتفجيرات التي تحصد أرواح الأبرياء دون ذنب؟