الكلمة التي ألقاها جلالة الملك المفدى أمام الحاضرين لدى تسلم جلالته لتقرير لجنة تقصي الحقائق حول الأحداث التي وقعت في البحرين خلال فبراير ومارس الماضيين،هي كلمة تاريخية،بل تعد وثيقة من الوثائق التاريخية الهامة والخطيرة في تاريخ البحرين كله،ولا أبالغ إذا قلت أن هذه الكلمة ستكون بمثابة “ماغنا كارتا”للبحرين خلال تاريخها القادم.
تحدث جلالة الملك – وهكذا يكون حديث العظماء عبر التاريخ – فرسم للبحرين خريطة طريق لسنوات طويلة.
ومن يستمع لما قاله جلالة الملك ولا ينسى ضغينته ولا يتخلى عن طائفيته ولا يضع روحه على كفيه من أجل البحرين فهو إنسان مريض القلب والفكر وليس في قلبه ذرة حب لهذا البلد.
جلالة الملك اعتبر تقرير لجنة تقصي الحقائق نبراسا يستضاء به وأداة هامة لتحديد الداء ووصف الدواء،ولم يرفض شيئا فيها واعتبر اليوم الذي تم التوصل فيه إلى معلومات محايدة عن ما جرى في البحرين يوما تاريخيا لمملكة البحرين،فهكذا يكون الملك الأب،وهكذا كان العظماء عبر التاريخ.
لم يتحدث جلالة الملك عن إنجازات ونجاحات كما يفعل الكثير من الحكام لكنه تحدث عن واقع البحرين وعن المحنة التي مرت بها البلاد، دون تبرير أو تزيين،جامعا بين لهجة المصالحة ولهجة القوة في وقت واحد ،فليس هناك شيء لدى جلالته فوق البحرين وبقائها متماسكة.
لقد تذكرنا ونحن نستمع إلى جلالة الملك بما قرأناه عن أبراهام لنكولن الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية الذي يعد المؤسس الثاني لها بعد الحرب الأهلية التي مرت بها وهددت وجودها، وأعتقد أن خطاب جلالة الملك إذا ما وعيناه جميعا واستوعبنا رسائله ،- كل في تخصصه أو مهنته أو مذهبه – فسيكون بمثابة تأسيس ثان لمملكة البحرين تحت رعاية ملك القلوب حمد بن عيسى آل خليفة الذي يتحدث فيخترق حديثه شراييننا وعقولنا معا.
“ولا نريد أن يتكرر أبداً .. أن نرى المواطنين المدنيين يحاكمون في غير المحاكم العادية . ولا نريد أن يتكرر أبداً .. أن يقتل رجال الأمن وأن تضطهد عائلاتهم جزاء التزامهم بحماية أمننا جميعاً . ولا نريد أن يتكرر أبداً .. أن تبدر من أي من أفراد الأمن سوء معاملة لأي أحد. وعليه يتوجب علينا إصلاح قوانيننا لتتماشى مع المعايير الدولية ……………”
هكذا داوى جلالته كل الجروح ووقف من الجميع موقف الأب، وليس موقف الحاكم،فلم يتحدث باسم حكومة البحرين ولم يدافع طوال الوقت عن رجال الأمن ولم يبرر لطرف دون آخر،فالجميع أبناء هذا البلد ولا فرق أبدا بين شرطي وبين مواطن وكل له حقوق وعليه واجبات.
فليتنا جميعا نتحمل مسئوليتنا تجاه مستقبل هذا البلد ونتخذ من هذه الكلمة التاريخية دستورا لنا في كل ما نقول ونفعل،فليس أمام كل وطني مخلص إلا أن يجيب على جلالة الملك قائلا :إمض ونحن معك يا صاحب الجلالة،ولنتذكر دوما هذه العبارة:
“فالمسئولون الذين لم يقوموا بواجبهم سيكونون عرضة للمحاسبة والاستبدال. وفوق ذلك كله سنضع وننفذ الإصلاحات التي سترضي كافة أطياف مجتمعنا. وهذا هو الطريق الوحيد لتحقيق التوافق الوطني ومعالجة الشروخ التي أصابت مجتمعنا….. “