في عيد العمال نقول كل عام وأنتم بخير لكل الذين يبذلون جهدا مخلصا لبناء مملكة البحرين ورفع اسمها بين الأمم، نقول كل عام وأنتم بخير لكل أبناء البحرين الأوفياء، كل مدرِّس مخلص،وكل عامل كادح، وكل طبيب وكل صحفي، وكل إنسان يتقي الله في عمله.
يوم العمال هو يوم الوفاء ويوم الذكرى الخالدة للذين ضحوا من أجل رفع الظلم عن العمال، ودفعوا أرواحهم ثمنا لرفضهم الظلم في فترة من الزمن كانت تسود فيها الرأسمالية في أوروبا وأمريكا، وكان هم أصحاب المال هو تحصيل المزيد منه، ولو بمص دماء العمال واستغلال فقرهم وعدم قدرتهم على ترك العمل، فلا هم لهم سوى زيادة ثرواتهم دون وازع أخلاقي أو إنساني في ظل الحضارة الغربية التي لا يوجد للروحانيات فيها أي مساحة، فيظل العامل يعمل لكي يأكل، أو بالأحرى يعمل لكي يظل على قيد الحياة، وتسير به الحياة العصيبة حتى يقعده المرض، فلا يجد ما يعينه على مرضه وعلى مواصلة الحياة، ولا يجد من يساعده في ظل حضارة لا قلب لها.
وقد وصف الكاتب الكبير توفيق الحكيم صورة العامل الأوروبي الفقير الذي أقعده المرض ولم تقدم له الحضارة الغربية شيئا رغم أنه هو الذي بناها بكده وعرقه في روايته المعروفة “عصفور من الشرق” التي سرد فيها سيرته الذاتية خلال رحلته وإقامته في فرنسا، حيث وصف لنا صورة العامل الفقير الذي أتى إليه وكله شوق إلى روحانية الشرق وإنسانيته، وهو يحمل الكتب السماوية الثلاثة، العهد القديم، والعهد الجديد، والقرآن الكريم، ويقول له: “إني أريد أن أذهب إلى الشرق؛ لأن الحضارة الغربية الرأسمالية أخذت مني صحتي وعمري وتركتني وحيدا دون معين”..
تلك كانت حياة العمال الفقراء خلال سنوات طويلة من الزمن، يبنون كل شيء ولا يجدون المأوى، ويزرعون ولا يحصدون شيئا، هم صناع الحضارة الغربية، ولكنهم لا ينعمون بشيء مما فيها من بريق وبهرجة.
وخلال رحلة العمال الطويلة في أوروبا وأمريكا، سقط قتلى وأصيب الكثيرون بالعاهات وحوكم كثيرون ظلما بسبب سطوة أصحاب المال الذين بنوا مجدهم على أشلاء هؤلاء.
وكانت أشهر حادثة في تاريخ الكفاح العمالي قد وقعت في الولايات المتحدة في الأول من مايو 1886 عندما نظم عمال شيكاغو إضرابا استمر أربعة أيام طالبوا خلاله بتحديد ساعات العمل بـ8 ساعات يوميا، وبعد أن اجتمع عمدة شيكاغو بالعمال لبحث مطالبهم، قامت الشرطة بفض تجمع العمال بالقوة، وأثناء ذلك انفجرت قنبلة لم يعرف أحد في حينها من الذي فجرها، واتخذت الشرطة ذلك ذريعة، وقامت بإطلاق النار، واستخدم أصحاب الأعمال سطوتهم في تلفيق القضايا للعمال الفقراء ومحاكمتهم وإعدام عدد منهم، وأثناء تنفيذ حكم الإعدام في أحدهم، كانت زوجته تقرأ رسالة بعث بها زوجها لتحتفظ بها لابنه الرضيع عندما يكبر، جاء فيها:
“ولدي الصغيرعندما تكبر وتصبح شابا وتحقق أمنية عمري ستعرف لماذا أموت، ليس عندي ما أقوله لك أكثر من أنني بريء، وأموت من أجل قضية شريفة؛ ولهذا لا أخاف الموت، وعندما تكبر ستفتخر بأبيك وتحكي قصته لأصدقائك”.
وبعد سنوات، أصيب مدير الشرطة بالمرض، وعندما كان قريبا من الموت، اعترف بأن هؤلاء العمال قد أعدموا ظلما، وأن الشرطة هي التي دبرت انفجار القنبلة، وكبر الصغير وقرأ رسالة والده وافتخر به بين أقرانه.
فهنيئا لعمال اليوم ما تتحقق من عدل، وجزى الله خيرا كل مسؤول وكل صاحب عمل يتقي الله في عرق العمال، وكل عام وأنتم بخير.