في بعض الأحيان تصدر عن رجال الدين فتاوى تؤدي إلى الالتباس وعدم الفهم، وتجعل السؤال الذي أجابت عنه الفتوى يلد أسئلة أخرى كثيرة. قبل أيام قال الدكتور طه خضير، الأستاذ بجامعة الأزهر – حسبما قرأت في إحدى الصحف البحرينية – إن المال الذي يأخذه العامل من دون جهد أو عمل مال حرام؛ لأنه أخذه باعتباره عملا وهو لم يعمل في الحقيقة. واستند إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدم عبد مسلم يوم القيامة حتى يسأل عن أربع من بينها (حتى يسأل عن ماله مما اكتسبه وفيم أنفقه).
وأفتى الدكتور بضرورة أن يمتنع السائل عن الحصول على الأجر الإضافي ما دام لا يعمل. هذه الفتوى كانت وردت من قبل في جريدة الجمهورية المصرية رداً على أحد المسلمين، يبدو من السؤال أنه موظف حكومي. والحقيقة أن هذه الفتوى – مع تقديم كل الاحترام لصاحبها- تحتاج إلى جملة اعتراضية توضع خلالها. هذه الجملة نسمعها كثيراً عند الحكم على الأمور بشكل علمي: وهي جملة “مع تثبيت كل الظروف”، هذه الظروف المطلوب تثبيتها هنا أولها أن يكون الراتب الذي يحصل عليه الموظف يكفيه لكي يأكل ويرعى أولاده ويعلمهم ويعالجهم، وليس مجرد إعانة بطالة تساعده لكي يبقى على قيد الحياة فقط، والفرق كبير بين أن يعيش الإنسان الحياة، وأن يكون موجوداً في الحياة.
أما الظرف الآخر الذي يجب تثبيته هنا – وهو ظرف مضحك- وأقصد به الوقت الذي يقضيه الموظف أصلاً في العمل المقرر يومياً، دون الوقت الإضافي الذي جاءت بشأنه الفتوى، فإذا كان صافي الوقت الذي يقضيه الموظف الحكومي في مصر من العمل الحقيقي وليس الجلوس في المكتب (والفتوى هنا بشأن مصر) لا يزيد عن 15 دقيقة، فهل يصبح الراتب الأساس أيضاً حراما، أم أن الحرمة هنا تنصب على الوقت الإضافي فقط؟!
أما الظرف الثالث الذي يجب تثبيته – وهو يدعو إلى المرارة- هو أن يكون هناك عمل أصلاً مطلوب من الموظف القيام به، فبعض الموظفين لا يطلب منه شيء فيقوم بإعمال عقله في حل الكلمات المتقاطعة حتى ينتهي وقت العمل!
ومن دون أخذ هذه “الظروف الثلاثة” على الأقل في الاعتبار عند تطبيق هذه الفتوى، ستبقى مع كل الاحترام لصاحبها فتوى صحيحة على المستوى النظري وعلى قدر المعنى الذي نقله سؤال السائل إلى المفتي.
إن ما يتقاضاه الموظفون الحكوميون في كثير من الدول الإسلامية لا يزيد عن كونه إعانة بطالة تمنح للعاطلين في دول أخرى، فهل إعانة البطالة حرام؟
لقد قرأتُ عن فتوى للإمام الأكبر شيخ الأزهر قبل سنوات تفيد بأنه من الجائز إخراج الزكاة للموظف الذي لا يملك سوى راتبه، وهذه الفتوى من وجهة نظري أكثر ارتباطا بالواقع، وتأخذ بعين الاعتبار ما يجري على الأرض، وليس فقط مجرد إعمال القواعد الفقهية بدرجة من التعميم تؤدي إلى الالتباس أكثر مما تؤدي إلى الفهم…