حديث صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد لقناة “العربية” الذي أذيع مساء الجمعة الثامن من يناير كان حديثا شاملا ومركزا، ومعبرا في هدوء وثقة عن البحرين على مستوى الداخل، وعلى مستوى علاقات البحرين بجيرانها وشقيقاتها وموقفها من القضية الفلسطينية.
“الشيعة مذهب إسلامي نختلف معه في استنباط الأحكام من القرآن الكريم… فقط”… عشنا مئات السنين سنة وشيعة، ومن يخلع الثوب العربي عن الشيعة العرب ظالم”.
هكذا عبر الأمير سلمان بن حمد ولي عهد البحرين، وهكذا جاءت تعبيرات قائد المستقبل واضحة ومحددة حول أهم القضايا وأخطرها، وهكذا يتحدث الكبار دوما.
لم يستخدم كلمة طائفة لا من قريب ولا من بعيد، ولكنه استخدم كلمة مذهب، وشتَّان شتَّان بين المفردتين، فكلمة “طائفة” تحمل أطنانا من المعاني المؤلمة السلبية بسبب السياقات التي استخدمت خلالها في الماضي وفي الحاضر على حد سواء، حتى أصبحت تفعل بذهن وبنفس من يسمعها ما تفعله مفردات مثل الإيدز والكوليرا والطاعون وأنفلونزا الخنازير.
ولأن الأمير سلمان هو قائد المستقبل للبحرين كلها، فهو يتحرى الدقة، ليس فقط في الأفعال، ولكن حتى في اختيار المفردات. فكلمة مذهب هي المفردة الصحيحة التي يجب على الإعلام العربي والإسلامي، وفي مقدمته الإعلام البحريني، أن يرسخ استخدامها وأن يتوقف نهائيا عن استخدام مفردة الطائفية المقيتة، سواء بحسن نية أم بسوء نية، لأن استخدامها يرسخها في أذهان الأجيال الحالية.
الأمير سلمان كان رائعا في رده على الأسئلة الخاصة بالتسخين الطائفي في المنطقة بشكل عام والبحرين بشكل خاص، فتحدث ككل قائد عظيم يحب وطنه ويحرص على جميع أبنائه، فرفض التشكيك في انتماء الشيعة ورفض نزع الثوب العربي من على الشيعة العرب، وقال إن من يفعل ذلك ظالم، وحذر سموه من ربط المذاهب الدينية بفكر سياسي معين، حيث المذاهب الدينية دائمة والسياسة آنية.
هذه الكلمات لا تدل على إنصاف قطاع كبير من أبناء شعبنا، وشعوب الوطن العربي من المحيط إلى الخليج فقط، وإنما دلت على عمق رؤى سموه ونظرته السديدة، فقد أثبت التاريخ دائما أن الشيعة العرب هم مع المصالح الوطنية لبلدانهم دائما، وقدموا تضحيات جساما من أجل أوطانهم واستقلالها والمحافظة على استقرارها.
قرأت “الوصايا” التي تركها الإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين، العالم الشيعي اللبناني وسجّلها بصوته على مدد متقطعة في مدى أسبوعين قبيل وفاته في العاشر من يناير من العام 2001، وكان من أبرز ما جاء في هذه الوصايا وصيته إلى عموم الشيعة في مختلف الأوطان “أن يدمجوا أنفسهم في أقوامهم وفي مجتمعاتهم وفي أوطانهم، وأن لا يخترعوا لأنفسهم مشروعاً خاصاً – يميّزهم عن غيرهم تحت أي ستار من العناوين، من قبيل إنصافهم ورفع الظلامة عنهم، أو من قبيل كونهم أقلية من الأقليات. ولا يجوز ولا يصح أن يحاولوا – حتى أمام ظلم الأنظمة – أن يقوموا بأنفسهم وحدهم وبمعزل عن قوى أقوامهم بمشاريع خاصة للتصحيح والتقويم، لأن هذا يعود عليهم بالضرر ولا يعود على المجتمع بأي نفع (ص27- 28)…
ولا يفوتني في هذا المقام أن أشير إلى تاريخ الشيعة العراقيين في العصر الحديث عندما ثاروا على الاحتلال البريطاني للعراق في عشرينات القرن الماضي وثار معهم العراقيون جميعاً، وفرضوا على الاحتلال البريطاني الانسحاب من العراق وأسسوا دولة وطنية ظلت قائمة إلى أن جاء الاحتلال الأميركي وفككها بكل ما فيها ليبني على أنقاضها دولة ما زال العراقيون يواجهونها بالرفض، وفي مقدمتهم الشيعة الذين يفترض أن تكون هذه هي دولتهم الشيعية، وهل أدل على هذا الرفض الشيعي من انتفاضهم على احتلال دولة ولاية الفقيه بئراً نفطية عراقية هي بئر الفكة؟
وفي بلدنا البحرين كان للشيعة العرب الدور البارز والمهم، بل والحاسم في تقرير عروبة البحرين ومنع إيران من التحكم في مصيرها أو نشر الفتنة بين شعبها، ولا أجد أن بي حاجة إلى إيراد أدلة على التعايش الرائع بين أبناء البحرين جميعاً، فالشيعة العرب هم مع البحرين، مع أنني لا أنكر أن هناك من يؤمن ببدعة ولاية الفقيه وهؤلاء قلة قليلة ستكتشف أن “وليها الفقيه” لا يعمل من أجل تشيعها، وإنما هو يتلفع بالتشيع للعمل من أجل “بلاد فارس” التي يثبت التاريخ أنها ظلت تتوسع على حساب الدول والقوميات المحيطة بها فضمت إليها أراضي منها ومنهم العرب الذين كانت لهم إمارة يتزعمها الشيخ خزعل الكعبي.
من أجل هذا كله وأكثر، فإن جميع ما قاله ولي العهد الأمير سلمان بن حمد في الحوار الخاص على شاشة قناة العربية الفضائية بشأن الشيعة العرب حديث حق لا يتحدث به إلا الكبار.