يوميات الحياة أصبحت شاقة ومعقدة، سرقتنا من مواجهة حقيقة أنفسنا والتحدث إلى ذواتنا، فغدونا أمام اللهث خلف قاطرة المصالح المتبادلة وتأدية الواجب والمجاملات أشبه بكائنات آلية، قد يمر اليوم وينقضي دون أن نتحدث إلى أهلينا أو نخاطبهم بكلمة حلوة ولو من خلف ستار!
وسط هذه الفورة العارمة من الانشغالات والماديات، يذكرنا الشيخ خليفة بن علي بن خليفة بأنبل مكارم الأخلاق وأطيبها على الإطلاق “ بر الوالدين” . والحق أقول، أن هكذا لفتة إنسانية يجب أن لا تمر على ذاكرة شبابنا وشاباتنا مرور الكرام ، بل يجب أن تتأصل وتدعم بفيض من الاهتمام والتشجيع. ليس لأنها مكرمة أخلاقية حميدة قد حث عليها ديننا الإسلامي الحنيف فحسب، وإنما لأننا أصبحنا على مشارف حياة مخيفة، إختلط فيها الحابل بالنابل حتى غدونا أمام شبح العولمة والتقليد الأعمى عرضة لأن ننسى أبوينا، وقد ننسى أنفسنا ذات يوم!
“ أمي وأبوي.. ما أنسى فضلكم” شعار جائزة الشيخ خليفة بن علي للإبن البار والإبنه البارة في دورتها الثانية للعام الثاني على التوالي. ترى كم شاب وشابه يذكر أبويه الأحياء منهم والأموات ذكرى طيبة؟
كم شاب وشابه يسعيان إلى استحواذ رضا والديهما برسم ضحكة على محييهما أو السير على نهجهما الصالح؟
إن البر بالوالدين ليس رهناً بمساعدتهما بالمال أو الجهد فقط، إنما قد يأخذ صوراً أكثر بساطة مما نتخيل، فالحديث معهما بأدب جم “بر” وصلتهما في الدنيا” بر” وعدم التأفف أو التضجر من نصائحهما “بر” ، قال تعالى في محكم تنزيله” ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً ، وإخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب إرحمهما كما ربياني صغيرا” .
فإذا كان المرء ينشغل كثيراً بكيفية تقديم واجب الشكر والثناء لرئيسه في العمل أو زميله أو من تربطه به مصلحة ما ، فالأجدر أن يفكر ملياً بالكيفية التي يشكر فيها أبويه، فهما الأحق بالشكر والثناء ، لأن حبهما خالص ، نزيه ، محصن عن الأطماع.
وإذا كان لابد من إستحضار قصة في بر الوالدين وما أكثرها القصص، فخير ما تجود به القريحة أثناء كتابة هذه الأسطر حادثة “علي بن الحسين” المعروف بكثرة بره لأمه وعدم أكله وإياها في إناء واحد. وحينما سـُأل:” إنك أبر الناس بأمك، ولا نراك تأكل معها” أجاب:” أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينيها، فأكون قد عققتها” .
ذاك هو ديننا، وتلك هي كنوزنا التي لا تندثر، فمرحى ألف مرة بمن ذكر فذُكر بخير، مرحى بخليفة بن علي.. وأهلاً وسهلاً بالمشروع التربوي الكبير الذي يتبناه، والذي لا تقدره أثمان أو جوائز ، لأنه حقاً
“إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ،
فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا..”