كان للزعيم الهندي الكبير غاندي السبق في استخدام العصيان المدني كوسيلة لتحدي القوانين الجائرة، متخذا أسلوب اللاعنف، وجاء من بعده الزعيم الأميركي مارتن لوثر كنج في إطار حركة المطالبة بالحقوق المدنية، فسار على خطى غاندي مبتكرا أسلوبَي المسيرة والجلوس الاحتجاجيين، لخلق موقف متأزم مستحكم يرغم الحكومات والأنظمة على فتح باب النقاش والتباحث.
ومع إطلالة عصر العولمة، وسن العديد من القوانين، وإبرام كثير من المعاهدات التي ترتب حقوق ومصالح الدول والشركات الكبرى في العالم، سعت بعض الجمعيات النشطة سياسيا والمناهضة لتلك الهيمنة إلى ابتكار شكل جديد للعصيان المدني يتناسب مع العصر الجديد وهو العصيان الإلكتروني.
واهم ما يميز العصيان الإلكتروني أو التظاهر عبر الانترنت هو عدم وجود عنف أو تصادم بين الممارسين للاحتجاج وبين سلطات الأمن في الدول.
ويعتمد هذا الاحتجاج على وسائل مختلفة مثل: القيام بإرسال آلاف الرسائل الاحتجاجية إلى جهة ما بصورة ضاغطة ومزعجة، وتكون هذه الرسائل بالطبع لغرض سياسي وليس بهدف الدعاية لسلعة أو خدمة معينة. ويمكن أن يأخذ هذا الاحتجاج القيام بتعطيل موقع إلكتروني معين عن طريق دخول عدد كبير من المستخدمين على هذا الموقع في وقت واحد، حيث يتم الاتفاق سلفا مع عدد كبير من المستخدمين على ساعة صفر معينة يطلقون عليها هجوم إيقاف الخدمة، وبالتالي يتعطل الموقع بحكم هذا الضغط ويتم حرمان المتصفح العادي غير المنخرط في هذا النشاط الاحتجاجي من الوصول للموقع وبالتالي تتم معاقبة صاحب الموقع والأشخاص المستخدمين له على السواء. هذا إلى جانب إرسال الرسائل وتداولها لتكوين رأي عام معين أو نشر أفكار ورؤى معينة.
وهناك أيضا وسائل أكثر تفوقا في النواحي التقنية مثل استخدام القرصنة وتدمير مواقع الانترنت أو تخريبها.
وتعتبر القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي من أكثر القضايا التي يجري تداولها في هذا المجال الرقمي، وفي انتفاضة عام 2001 حدثت مواجهات الكترونية كبيرة بين العرب والصهاينة، وأحسنت المواقع العربية والإسلامية استخدام صورة الشهيد محمد الدرة الذي استشهد برصاص الجنود الصهاينة وهو يحتمي بوالده، وفي الوقت نفسه قام الصهاينة باستخدام صورة معلمة صهيونية قتلت خلال عملية فلسطينية، في محاولة لكسب الرأي العام العالمي.
ولكن على الرغم من وجود هذه المواجهة الإلكترونية بين العرب والصهاينة على شبكة الانترنت، إلا أن الأداء العربي والإسلامي في هذا المجال لم يصل بعد إلى المستوى المطلوب.
ولكن المشكلة الأسوأ في هذا السياق لا تنحصر فقط في ضعف الأداء العربي في مواجهة الجرائم الإسرائيلية التي لا تنتهي، ولكن في تشتت الجهود العربية والإسلامية بسبب الانخراط في الصراع بين فتح وحماس ومحاولات التشويه التي يمارسها كل طرف ضد الطرف الآخر. كما يضاف لهذا التشتت الفلسطيني نوع آخر من التشتت وهو الصراع الشيعي السني. والنتيجة أن الشباب العربي المسلم قد أصبح يسب بعضه بعضا أكثر ما يسب أعداء الأمة الحقيقيين، وأصبح يهمل قضاياه الحقيقية ويهدم بعضه بعضا.