حمادة المسحول.. وانهيار القيم الإنسانية

حمادة المسحول.. وانهيار القيم الإنسانية

حمادة المسحول، هو الاسم الإعلامي لرجل بسيط من أفقر فقراء مصر قد تحول فجأة من رجل لا يعرفه سوى أهل الفريج الذي يعيش فيه إلى رجل يعرفه العالم أجمع، فقد دخل التاريخ ولكن من باب القهر والامتهان.
مشهد غاية في السوء تناقلته الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت قبل يومين، وهو مشهد لمتظاهر مصري عرف فيما بعد أن اسمه حمادة، يبلغ عمره حوالي خمسين عاما، قام رجال الأمن المصريون بسحله وتجريده من ملابسه بشكل يندى له الجبين حياء، وسحبوه على الأرض وكأنهم يجرون دابة ميتة وأشبعوه ركلا بأحذيتهم الثقيلة دون اعتبار لكاميرات التصوير التي فضحت المشهد في كل أركان العالم.
ما هو الفرق بين المواطن السوري الذي ساومه رجال الأسد على شرفه وخيروه بين حياته وبين موافقته على التفريط في شرف زوجته، وبين المواطن المصري الذي سحله رجال الأمن المصريون وهتكوا عرضه أمام القصر الجمهوري في القاهرة أثناء مشاركته في مظاهرة مناهضة للرئيس ولجماعة الإخوان المسلمين؟
الفرق الواضح بالنسبة لنا هنا هو أن المواطن السوري تم إذلاله قبل أن تحقق الثورة السورية هدفها الرئيس بإسقاط نظام الأسد، ولكن المواطن المصري تم إهدار كرامته بعد ثورة قامت من أجل الحرية والكرامة الإنسانية.
قد يقول قائل إن هذا الرجل الذي تم انتهاك حرمته أمام القصر، قد جاء من أجل التخريب وليس من أجل التظاهر وإنه مارس العنف ضد الجنود فكان هذا هو رد فعلهم على ما قام به، ولا أحد يكذب هذا فمن الوارد جدا أن يكون هناك مندسين وإرهابيين بين المتظاهرين، ولكن هل من الجائز أخلاقيا وقانونيا وسياسيا وإعلاميا أن يقوم رجال أمن في دولة أنجزت ثورة عظيمة أن تهين مواطنا على هذا النحو؟
هذه الصورة بها من بلاغة الاساءة والتشويه ما يكفي لتشويه العرب والمسلمين مجتمعين لدى العالم أجمع،وتسيء إلى مصر أكثر من لوحة جورنيكا التي رسمها بيكاسو لتسيء إلى هتلر طوال هذا التاريخ بعد أن قام بتدمير إقليم الباسك الأسباني.
العالم الذي سيرى صورة المواطن المصري الذي عراه رجال الأمن المصريون لن يشغل نفسه بما جناه هذا الرجل من أفعال جعلت الجنود يقدمون على ما أقدموا عليه تجاهه، ولكنه سيركز على المشهد المهين الذي نقلته الفضائيات والذي يصور العرب والمسلمين على أنهم همج ويسم حكم الإخوان المسلمين بما لم يسم به أكثر أنظمة الحكم طغيانا في العالم.
سوف يقول من يرى هذا المشهد أن صناعه قد صفعوا الانسانية كلها وداسوا بأحذيتهم كل القيم التي أتت بها الأديان وأنتجتها الحضارة الانسانية قبل أن يدوسوا بها على هامة هذا الرجل الذي لم يجد لقمة في عهد مبارك ولم يجن من الثورة سوى إهدار كرامته.
لم يكن يعلم كل الذين تابعوا الصورة المهينة التي عرضت على الشاشات أن للحديث بقية وأنه لا يزال هناك بعد الثورة من يهدد المقهورين أو يغريهم لكي ينكروا ما وقع عليهم من ذل وإهانة.
لم يكن لأحد أن يتوقع أن هذا الرجل الذي أشارت إليه الفضائيات بحمادة المسحول سوف يخضع لضغوط تجعله ينكر ما حدث له رغم أن الصورة التي عرضت تكذب الجميع وتصفع الجميع وتبصق في وجه الإنسانية كلها.