يبدو أن اللجنة المسئولة عن منح جائزة نوبل للسلام قد منحت هذه الجائزة للرئيس الأمريكي باراك أوباما من اجل نواياه الحسنة في مجال صنع السلام،وليس من أجل الأفعال والإنجازات التي قام بها في هذا المجال،على الرغم من أن النوايا الحسنة- إن وجدت- عملة غير مستخدمة في عالم السياسة والعلاقات الدولية.
أوباما انفتح على العالم الإسلامي انفتاحا خطابيا بلاغيا لا يقدم ولا يؤخر،وأعلنت إدارته أنها ستفعل ما لم يفعله غيرها من أجل صنع السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين،وانتهى بها المطاف حتى الآن إلى مطالبة العرب باتخاذ خطوات ملموسة نحو التطبيع مع إسرائيل،وكأن العرب لا عمل لهم سوى تقديم التنازل تلو التنازل دون أن يتقدم الكيان الصهيوني خطوة واحدة في مجال صنع السلام.
أعلن أوباما وإدارته عدم شرعية الاستمرار في بناء المستوطنات(وليس عدم شرعية الاستيطان على إطلاقه) ومع ذلك زاد الاستيطان وزاد الاستخفاف الصهيوني بمطالب العرب.
وعندما كانت لجنة نوبل الموقرة تجتمع لمنح أوباما جائزة نوبل للسلام تقديرا لخطبه ووعوده حول تحقيق السلام،كانت هناك جريمة إسرائيلية جديدة تنفذ بحق المقدسات الإسلامية،وبحق المسلمين الذين انفتح عليهم أوباما،وهي جريمة انتهاك حرمة المسجد الأقصى وتدنيسه والسعي إلى تدميره بكل تبجح.
أوباما أعلن أنه سيتبع سياسة مغايرة لسلفه،ولكن هذه السياسة لم تبدأ بعد على أرض الواقع،فالعراق التي خربها سلفه لا تزال جراحه تنزف حتى الآن،ولا يزال المئات من المدنيين يقتلون حتى الآن في أفغانستان وباكستان والعراق بأيدي القوات الأمريكية.
فهل تم منح جائزة نوبل للرئيس أوباما على حسن نواياه وخطبه المؤثرة؟أم أنها منحت له كمقدم ثمن “تحت الحساب” كما قال أحد المعلقين؟أم أن لجنة نوبل التي يقال أنها تقع تحت تأثير جهات داعمة لإسرائيل قامت بمنحه هذه الجائزة ولسان حالها يقول له:إن أقصى شيء ستحصل عليه في نهاية جهودك من أجل السلام هو الحصول على جائزة نوبل للسلام،وها نحن قد منحناك إياها فتوقف عن مسعاك ولا تزعج سعينا من أجل إتمام تهويد القدس وتصفية القضية الفلسطينية التي لم يعد يتفق عليها أهلها أنفسهم.
فمتى كانت جائزة نوبل للسلام قائمة على أساس إنساني أو أخلاقي؟ جائزة نوبل جائزة مسيسة من البداية للنهاية.فهي لا تمنح إلا للكبار أو لمن يريدهم الكبار.
لو كانت جائزة نوبل تمنح على أساس سليم، لما استحقها إسرائيليون من قبل، وأيديهم ملطخة بدماء أطفال فلسطين ،ولو كانت تمنح على أساس سليم لما استحقها أي سياسي هذا العام، لأن أحوال العالم الذي نعيش فيه تبين بجلاء أنه لا أحد يستحق التكريم،فالقتل في كل مكان،والقبح والبشاعة يملآن أركان الكرة الأرضية.
في هذه الأيام التي اختفى فيها الحياء السياسي ،كان يجب على الرئيس أوباما أن يرفض الجائزة ويفعل كما فعل الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل،عندما أراد بعض تلاميذه وفي مقدمتهم الكاتب الصحفي مصطفى بكري أن يكرموه بمناسبة اعتزاله الكتابة،فرفض هيكل هذا التكريم ،وقال قولة عظيمة :كيف أكرم في وقت الأمة تخرج فيه من التاريخ؟
ورغم الفرق بين الحدثين إلا أنه كان من الأليق للرئيس أوباما أن يرفض الجائزة لأن العالم الحالي عالم بلا سلام ،وبلا محاولات لصنع السلام،ولا يجوز لأحد أن يكرم في عالم يملؤه القبح وتموت فيه القيم الإنسانية!!