الذي يتابع أخبار المظاهرات وأعمال الشغب التي وقعت في تونس على مدى شهر مضى وانتقلت بعد ذلك إلى الجزائر، يشعر وكأنه يتابع حربا بين دولتين، فبعض وسائل الإعلام وصفت ما يجري بأنه ثورة جياع بدأت شرارتها من المغرب العربي، ووضعت قناة الجزيرة عنوانا لأحد برامجها المشهورة، يقول: “هل بدأ عصر الثورات العربية؟”.
التغطيات الإعلامية لهذه الأحداث أظهرت الحكومتين الجزائرية والتونسية في حالة ارتباك كبيرة، وأظهرت حالة من الارتباك الأمني وعدم قدرة على التعامل مع أعمال بهذا الحجم، وخاصة أن الشباب المشارك في هذه الأحداث أبدى حالة من التحدي وعدم الخوف في مواجهة العمليات الأمنية التي واجهت هذه الاحتجاجات،وهو ما جعل السلطات التونسية تلجأ إلى الجيش لضمان حماية المنشآت العامة والحساسة في المدن التونسية.
في تونس سقط خمسة وعشرون قتيلا إلى جانب مئات الجرحى خلال احتجاجات على ارتفاع الأسعار وسوء الأوضاع الاجتماعية، وفي الجزائر سقط خمسة وأصيب المئات أيضا، وهذا يبين أن الأساليب التقليدية التي تستخدم في مقاومة الشعب لم تفلح في صد المحتجين في البلدين، ويبين أن السلطات التونسية والجزائرية شعرت عند لحظة معينة أن الزمام يمكن أن يفلت تماما وتتحول هذه الاحتجاجات إلى ثورة شعبية، فاضطرت إلى إطلاق النار للسيطرة على الأوضاع.
الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وصف المحتجين بأنهم لصوص ملثمون يقومون بتخريب المنشآت والاعتداء على الناس ليلا، وأنه لا بد من التصدي لهم، كنوع من التبرير، ربما، لهذا التعامل الأمني الشديد مع المتظاهرين.
بعض المحللين كالعادة لجأوا لنظرية المؤامرة في تفسير ما يجري هناك، وبعض الصحف كالعادة قالت إن الموساد الاسرائيلي هو الذي حرك هؤلاء الشباب الغاضبين، وبعضها الآخر أعطى إشارات مبهمة عن جهات خارجية تقف وراء هذه الأحداث.
أما الصحف الجزائرية فصبت غضبها على من أسمتهم ببارونات الاستيراد واتهمتهم بالجشع ورفع الأسعار.
التفسيرات كثيرة، ولكنها على كثرتها لا تنفي أبدا أن هناك أوضاعا اقتصادية متردية جدا،وشبابا عاطلا لا يجد ما يفعله، وليس لديه أمل في المستقبل، وبالتالي يمكن أن يوظف طاقته في أي شيء ويمكن قيادته بسهولة من قبل أي جهة داخلية أو خارجية.
والحقيقة التي لا تقبل الجدل، ليس فقط بالنسبة لتونس والجزائر، ولكن لكثير من الدول العربية،هي أن البطالة وتردي الأوضاع الاقتصادية هي قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة وتأتي على الأخضر واليابس، وساعتها لن تفيد نظرية المؤامرة، ولن يفيد التعامل الأمني مع ثورات الجياع.
الأرقام لا تكذب، فالناتج القومي للعالم العربي كله (22 دولة عربية) يتساوى بالكاد مع الناتج القومي لشركة الهواتف النقالة “نوكيا”، وهو 77 مليار دولار.
ويقول تقرير صادر عن الأمم المتحدة إن نسبة الفقر في الوطن العربي تبلغ حوالي 20 %، أي نحو مائة مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر، وهو ما يعادل تقريبا ثلث سكان العالم العربي.
كما كشف تقرير صادر عن اليونسكو أن تقلص فرص العمل في الوطن العربي أدى إلى ارتفاع معدل البطالة إلى 27.8 % وهي النسبة العليا بالعالم، حيث تجاوز النسبة 21 % في كل من مصر وسوريا ولبنان، وبلغت نحو 18 % في الأردن، و20 % في تونس والمغرب، و17 % في كل من السودان والصومال واليمن، أما العراق وفلسطين والجزائر فتجاوزت فيها نسبة البطالة 30 %.