يواصل الباحث الأمريكي “جورج فريدمان” تنبؤاته بأحداث القرن الحادي والعشرين في كتابه المعنون “المئة عام القادمة”، فيقول ان الحرب العالمية القادمة ستنشأ في منتصف هذا القرن، وان سبب اندلاع هذه الحرب سيكون اعتقاد تركيا واليابان أن الولايات المتحدة تسعى إلى تدميرهما، وفشل التفاوض بينهما وبينها لاعتقادهما أن شروطها في التفاوض تعجيزية، في حين تكون استراتيجية الولايات المتحدة هي عدم السماح بتزايد قوة كل من تركيا واليابان أو غيرهما من القوى، حتى لا تتهدد مصالحها الاستراتيجية.
ويضيف الكاتب أسبابا أخرى لاندلاع هذه الحرب مثل رغبة اليابانيين في تأمين خطوط الملاحة الدولية في المحيطين الهادي والهندي اللذين تسيطر عليهما الولايات المتحدة، إلى جانب رغبة الأتراك في استعادة نفوذهم القديم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى والبلقان، واصطدامها بسعي الولايات المتحدة للحفاظ على موازين قوى معينة تكفل تحقيق مصالحها الاستراتيجية في تلك المناطق.
ويتنبأ الكاتب بأن اليابان هي التي ستبدأ شن تلك الحرب من الفضاء – حيث ستكون الدول الكبرى قد تمكنت من إقامة محطات فضائية دائمة، إضافة إلى قواعد على سطح القمر وشبكات من الأقمار الصناعية.
ويقول الكاتب ان هناك خمس مناطق في العالم حاليا مرشحة لأن تكون “خطوط تصدع” نشطة خلال القرن الحادي والعشرين، أولها منطقة المحيط الهادي، وثانيها أوراسيا، وثالثها أوروبا في إطارها النهائي، ورابعها العالم الإسلامي، وخامسها المكسيك.
ويرى الكاتب أن الأزمة الحالية مع العالم الإسلامي يجري احتواؤها الآن، وأن العالم الإسلامي رغم ذلك يبقى غير مستقر. ويقول ان عدم استقرار العالم الإسلامي لن تتمخض عنه انتفاضة إسلامية شاملة، ولكنه يزيد من استغلال إحدى الدول الإسلامية لهذه الحالة والعمل على فرض نفوذها وسيطرتها على هذا العالم.
هذه القوة – حسب رؤية الكاتب ليست إندونيسيا وليست باكستان وليست مصر وليست إيران، ولكنها تركيا.
ويرى أن السبب في ترشيحه لتركيا، وليس إيران هو أن إيران أكثر الدول الإسلامية عدوانية، وأنها خلال محاولة حماية نفسها من الولايات المتحدة والمسلمين السنة والعرب المعادين لها سوف تضطر إلى التحرك قبل الأوان، ويجعل الولايات المتحدة تضع عينها عليها كقوة خطيرة. ولكن تركيا حالة مختلفة تماما، فهي ليست فقط أكبر اقتصادية في المنطقة، ولكن لأنها تحتل موقعا استراتيجيا بين أوروبا والشرق الأوسط وروسيا، كما أنها ليست معزولة أو مقيدة، وأن هذا سيساعدها على العودة إلى ممارسة دورها القديم كقوة مسيطرة في المنطقة.
ويقول الكاتب اننا عندما ننظر إلى الحطام المتبقي من العالم الإسلامي عقب الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، ونفكر أي الدول في المنطقة ينبغي أن نأخذها على محمل الجد، نجد أن هذه الدولة هي تركيا، حليفة الولايات المتحدة، واهم قوة عسكرية في المنطقة.
ويمضي الكاتب في تنبؤاته حول استعادة تركيا لمجدها القديم فيقول ان تركيا ستسيطر على المنطقة بكاملها على نحو يمكنها من تهديد إيران، وان مواجهة ستنشب في البلقان بين تركيا من جهة وبين ائتلاف من دول أوروبا الشرقية تقوده بولندا من جهة أخرى، وأن ألمانيا ستراقب هذه المواجهة عن كثب ولكنها ستقف بعد ذلك مع الأتراك، في الوقت الذي ستدعم فيه الولايات المتحدة بولندا وتحثها على المضي قدما في هذه المواجهة.
كتاب رائع ذلك الكتاب الذي يقدم وجبة دسمة من التنبؤ الاستراتيجي حول أحداث القرن، غير أنه لم يشر إلى العرب والمسلمين إلا كمناطق نفوذ لغيرهم من القوى الدولية، فإلى أي مدى ستصدق تنبؤات “جورج فريدمان”؟