عجيبٌ حقاً أمر النوم، فهو كما قال عنه فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي: “إذا طلبته أتعبك، ولكن إذا طلبك أراحك”. وهو “سلطان” يعز عليك لقاؤه وأنت في أشد الحاجة إليه وقد يغلبك ويقهر مقاومتك في وقت تود ألاّ يغلبك فيه.
في ليلة من ليالي الأرق المرير جلست أفكر في السياقات التي وردت فيها كلمة النوم في العلم والأدب فوجدت تناقضاً شبه تام بين حديث الأطباء وحديث الأدباء عن النوم. الأطباء يقولون إن النوم يقوي جهاز المناعة ويجدد خلايا المخ وينتج مادة الميلاتونين المهمة لحفظ الشباب وحماية القلب والصحة العامة كإحدى المواد المضادة للأكسدة.
ولكن لكي يتم إنتاج هذه المادة السحرية لابد أن يكون النوم ليلاً، وسبحان الله إذ قال: “وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً”.
وقبل أن يثبت علماء أوروبا وأميركا الفوائد الكبيرة لنوم القيلولة كانوا يتهمون العرب بالكسل والخمول وإضاعة الوقت لأن العرب يتفوقون على غيرهم في مسألة النوم هذه! ولكن بعد أن تأكدوا أن النوم في هذه الأوقات يعيد النشاط ويزيد الإنتاج قاموا بتخصيص وقت لنوم القيلولة لعمال بعض المصانع لكي يستفيدوا مما أبدعه العرب في هذا الشأن. غير أن “النوم” في السياق الأدبي، خصوصا في الأدب العربي نشأته تختلف تماماً، فالنوم الطويل سـُبة كبيرة على جبين الأمم، وربما هذا هو الذي جعل الشاعر علي الجارم يحتفي بلحظة استيقاظ أصابت الأمة العربية بعد سبات طويل عندما دون قصيدته التي قال في مطلعها: صحا الشرق وانجاب الكرى عن عيونه… وليس لمن رام الكواكب مضجع.
ويقول الخيام في سياق دعوته للاستيقاظ: فما أطال النوم عمراً… ولا قصر في الأعمار طول السهر.
والنوم في ثقافتنا العربية يستخدم لوصف الشخص غير الفاعل في الحياة الذي تسير الأمور من حوله ربما بشكل قد يضر به شخصياً دون أن يدري، كأن يتناول الناس قضية خاصة به هو دون أن يحسب له حساب في هذه المسألة ويفاجأ بقرارات اتخذت حول مستقبله وهو آخر من يعلم، وهذا هو النوم في العسل!.