عندما تابعت ما جرى بمجلس النواب البحريني من مطالبات ساخنة بضرورة وقف تدريس الموسيقى في المدارس، ووقف إقامة الحفلات الموسيقية والغنائية، شعرت بدهشة كبيرة، خصوصا أن النواب الذين طالبوا بذلك تعللوا بأن الموسيقى تزيل البركة لأنها حرام، واستدلوا على ذلك بحديث نبوي، وقالوا إنه لا يجوز أمر إقامة حفلات في ظل القتل والدمار الذي يصيب العراق وغير العراق.
مصدر دهشتي هنا هو أن نوابنا المحترمين في موقفهم هذا يثبتون لمن انتخبهم أنهم منفصلون تماما عن العالم، وعن الناس الذين أجلسوهم على مقاعدهم في البرلمان. الناس لم ينتخبوا النواب لكي يمارسوا الوعظ والفتوى والتحريم داخل قاعة المجلس، مع كل الاحترام للمتدينين والتدين.
هل حلت كل مشكلات الناس وتحقق للمواطن كل ما يريده في كل شؤون حياته اليومية، ولم يبق سوى إلغاء دروس الموسيقى أو جعلها اختيارية في مناهج المدارس؟
وهل الموسيقى التي تزيل البركة كم يقولون شيء جديد في حياة الناس، وأنها خطرة في اللحظة الراهنة ولابد من تقديمها على غيرها من القضايا واستئصالها على نحو عاجل، حتى يتخلص الناس من شرها قبل أن يستفحل ويأخذ الأخضر واليابس؟!
هذا الحماس الذي أبداه النواب يجعل الإنسان يشعر بأن الموسيقى باتت أخطر على البشرية من الإرهاب ومن فيروس زيكا وإيبولا!
الغريب أن السادة النواب هونوا بأنفسهم من شأن القضية التي يتحدثون فيها وقالوا ما معناه إنه إذا لم يتم منع تدريس الموسيقى، فلابد من جعل دروسها اختيارية للطلاب، فكيف هي حرام كما قالوا، وكيف يتم جعلها اختيارية، هل هناك اختيار في مسألة الدين؟
هذا الكلام يشتمل على إهانة ضمنية للدولة، فإذا قبلت الدولة بمسألة جعل الموسيقى اختيارية فقد أصبحت كالذي يقدم الخمر لمن يريده، لأن الخلفية التي بني عليها الموقف كله هي أن الموسيقى حرام.
أما إذا قيمنا المسألة من زاوية نظرة العالم الخارجي لنا، فالخسارة ستكون كبيرة، فالعالم سيعتبر ما أقدمنا عليه سلوكا أقرب للتخلف منه إلى التقدم والارتقاء، فكيف – ونحن دولة تسعى لتحقيق تقدم كبير في مجال السياحة – نفاجئ العالم بأننا دولة ترفض الموسيقى وتحرم إقامة الحفلات الموسيقية؟.