“الفتـــوة” يتجسس علــــى مـــــن يـــشـــاء

“الفتـــوة” يتجسس علــــى مـــــن يـــشـــاء

قديما قال سقراط عبارته المشهورة “القوي يعرف الحق”، أي أن القوي هو الذي يضع التعريف لمعنى الحق، ولا يجرؤ أحد على مناقشته في ذلك؛ لأنه قوي ويستطيع أن يعاقب من يعترض على ما يقدمه من صيغ وتعاريف لكل شيء.
وفي روايات نجيب محفوظ نجد شخصية “الفتوة” في اللغة المصرية، وهو الرجل صاحب العضلات القوية الذي يمكنه أن يؤدب كل من يتحداه بعصاه، وهو الرجل الذي يحكم أهل الفريج أو الحارة التي يعيش فيها بقانون الغاب والبقاء للأقوى.
هذا الرجل الفتوة هو الذي يقرر معاني وتعاريف كل الأشياء، ويقرّب من يشاء ويبعد من يشاء على حسب عضلات كل شخص ودرجة ولائه له، ولا مانع أن يتجسس هذا الفتوة على أصحابه وحلفائه؛ لكي يضمن عدم خروجهم عليه أو تغول أحدهم إلى الحد الذي يقلل من شأنه واعتباره لدى الناس، ولكن هذا التجسس على الحلفاء كان يتم عن طريق بعض البصاصين أو الأشخاص الذين ينقلون الأخبار للفتوة.
وفي الزمن الذي نعيش فيه، الولايات المتحدة أقوى دولة في العالم أو فتوة العالم لا تعرف الحق فقط ولكنها تعرف كل شيء، فهي تعرف الحق وتعرف الإرهاب وتعرف الديمقراطية وتعرف الحرية وتعرف الشرعية والمشروعية وتقول من المخطئ ومن المصيب ومن يستحق أن يعاقب بقطع المعونات ومن الذي يجب مكافأته حتى وإن كان مجرما حسب تعريف بقية العالم له.
أميركا تتجسس على حلفائها الذين يسيرون خلفها ويدعمون مواقفها عندما تكيل بمكيالين أو تكيل بعشرة مكاييل، فكيف يكون حالها مع الدول والأشخاص والقادة الذين تكرههم؟
أميركا تجسست على مكالمات الفرنسيين وقيل أنها تنصتت على 70 مليون مكالمة هاتفية للفرنسيين خلال شهر واحد، فكم يبلغ العدد خلال عام كامل؟
وبطبيعة الحال هذه السبعين مليون مكالمة ليست لأفراد من عموم الشعب، فما الذي يفيدها إن هي تجسست على عمال النظافة أو المدرسين أو أصحاب أي مهنة أخرى؟ فأميركا حتما تتنصت على صناع القرار والقادة العسكريين أو غيرهم من أصحاب الوظائف المهمة في هذا البلد أو ذاك.
وقد تواردت الأخبار عن تجسسها على مكالمات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والبقية تأتي، وحتى إن لم تأتنا البقية فهذا لا ينفي أن أميركا تتجسس على أعدائها وحلفائها وعلى العالم كله!
أميركا تفعل هذا لسببين، أولهما أنها تملك القوة وتملك التكنولوجيا التي تمكنها من التنصت على قادة العالم، والسبب الثاني أن العلاقات الدولية لا تعرف الأخلاق ولا الحياء ولا الاحترام ولا تحترم أسرارا ولا حرمة لصديق أو عدو.
والذي يؤكد كلامي وأن العلاقات الدولية لا تعرف سوى لغة القوة واحترام الفتوة الكبير، ذلك الرد الأوروبي المضحك تجاه ما حدث.