يبدو أن البحرين دخلت ضمن نطاق الاستهداف الدائم الذي تمارسه قناة الجزيرة الفضائية ضد دول بعينها في المنطقة، فمنذ ان أتت الجزيرة إلى الوجود لم تضع البحرين على قائمة الدولة المستهدفة كما تضعها الآن، والدليل على ذلك أنه خلال أشهر معدودة حاولت هذه الفضائية ذات الإمكانات المادية والبشرية الكبيرة أن تعبث بملف الأوضاع الداخلية في مملكة البحرين بشكل واضح، والدليل على ذلك أيضا أن عملية الاستهداف هذه قد بدأت خلال فترة حدث فيها بعض سوء الفهم بين مملكة البحرين وشقيقتها قطر، على خلفية رفض قطر ترشيح السيد محمد المطوع لرئاسة مجلس التعاون الخليجي، ومن بعده مشكلة الصيادين البحرينيين الذين اعتقلتهم السلطات القطرية.
في برنامجها الأخير (في العمق)، تناولت الأوضاع الداخلية في مملكة البحرين بشكل لم نره على مستوى دول الخليج من قبل، سواء فيما يتعلق بدول الخليج العربية أو على مستوى إيران. فحتى أثناء الأحداث التي وقعت في إيران عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة لم تقم الجزيرة بتناول هذه الأحداث بالشكل الذي تفعله تجاه أحداث أصغر بكثير تقع في بعض الدول العربية، وليس كل الدول العربية بطبيعة الحال.
كانت الجزيرة في ظل اشتعال الموقف في إيران تذيع الأخبار شأنها شأن بقية وسائل الإعلام، ثم تأتي بشخص واحد، صحافي أو محلل سياسي ليتحدث عن الأحداث، وكان في الغالب يعكس وجهة النظر الإيرانية الرسمية، ولكننا لم نر الجزيرة أبدا تأتي بشخصين إيرانيين متعاديين وتترك لهما المجال ليعري كل منهما الآخر كما تفعل مع العرب.
برنامج (في العمق) الذي بثته الجزيرة عن البحرين مساء يوم الاثنين 20 سبتمبر يعد نموذجا لما تقوم به الجزيرة دوما من تعميق للهوة بين اطراف الخلاف داخل الدولة العربية الواحدة أو بين دولة عربية وأخرى، لكي يتحول هذا الخلاف إلى صراع، ليس فقط بين طرفي الحوار في البرنامج ولكن بين الموالين لهذا الطرف أو ذاك.
حتى عندما عقدت الجزيرة ما أسمته بمناظرة بين الدكتور يوسف القرضاوي وبين رفسنجاني بات العالم الإسلامي أكثر سخونة وزاد الخلاف بين أبناء الدين الواحد (سنة وشيعة) ولم تحدث هذه المناظرة أي تقارب بين أبناء المذهبين، بل ساعدت في تعميق الخلاف.
عندما استدعت الجزيرة الشيخ عادل المعاودة، والسيد إبراهيم شريف، وهما على طرفي نقيض في أشياء كثيرة، ليشاركا في برنامج (في العمق) إنما أرادت أن تعطي لبرنامجها الصورة الديمقراطية المحايدة التي تنطلي على الكثير من المشاهدين العاديين، ولكن عندما يتابع المشاهد الواعي نوعية الأسئلة التي توجه لكل طرف من طرفي الحوار والطريقة التي يتعامل بها مقدم البرنامج مع كل واحد منهما يستطيع عند ذلك أن يعرف ماذا تريد الجزيرة ومع أي فريق تقف، ويدرك مدى الخبث الذي يسكن في هذه الأسئلة.
الشيخ عادل المعاودة من أقدر الشخصيات البحرينية على التحدث والدخول في مناظرات مع غيره، لأنه يملك من الثقافة والهدوء وسعة الأفق ما يجعله جديرا بهذه المهمة، ومع ذلك بدا على وجهه الضجر أكثر من مرة بسبب محاولات صاحب البرنامج المستميتة من أجل التشويش عليه ومقاطعته هو بالذات دون الطرف الآخر قبل أن يكمل كلامه ومبادرته بسؤال جديد قبل أن يفرغ من السؤال الأول.
ولم يكن هذا هو التحيز الوحيد الذي مورس خلال الحلقة ولكن حتى الكاميرا نفسها كانت متحيزة. أما الهدف الذي أريد تحقيقه من وراء هذه الحلقة فهو تسخين الأوضاع الداخلية في البحرين.