يقال أن ثقافة الإنسان هي المرشح أو (الفلتر) الذي يمكـّن صاحبه من تنقية مئات ، بل آلاف الرسائل الإعلامية التي تستهدفه كل يوم، فيقوم هذا الفلتر حسب جودته ومكوناته باستبعاد ما هو ضار أو خبيث أو مضلل أو ذلك الذي يتضمن أكاذيب أو أنصاف حقائق.
ولذلك فأكثر الناس عرضة للتضليل والإستعباط من وسائل الإعلام هو الأقل ثقافة وعلماً أو الجهلاء الذين لا يملكون أي فلتر يعينهم على التفرقة بين الغث والثمين. والشيء الطريف أن الرسالة الإعلامية الواحدة مهما اجتهد معدوها في إعدادها شكلاً ومضموناً قد تكون لها مردودات كثيرة تتباين من شخص إلى آخر.
ولكن الأسوأ هو أن تأتي الرسالة بأثر عكس تماماً لما خطط له أصحاب هذه الرسالة ، لا لأن هذه الرسالة أفرطت مثلاً في التبشيع أو التيئيس من شيء ما فتأتي بنتيجة عكسية ، ولكن قد تكون هذه النتيجة العكسية بسبب الثقافة أو (الفلتر) الذي يملكه هذا الشخص أو ذاك .
قرأتُ في أحد كتب الإعلام المصرية عن تجربة قام بها المسئولون عن الدعوة إلى تقليل الإنجاب وتنظيم النسل في مصر، حيث استخدم هؤلاء صورتين كبيرتين، تحمل كل منهما رسالة إعلامية مختلفة تمام الاختلاف عن الأخرى. وكان اللجوء لاستخدام الصورة هنا دون أي كتابة هو الأنسب لأن الجمهور الذي سيتعرض لهذه الصور جمهور في معظمه أمي لا يقرأ ولا يكتب.
وقام المسئولون عن حملة التوعية هذه بعرض الصورتين على سيدة من البدو لا تعرف القراءة والكتابة ، وكانت الصورة الأولى تضم أسرة صغيرة من أب وأم وطفلين ويبدو على أصحابها الصحة والنظافة والرفاهية ، وكانت الصورة الأخرى لأسرة كبيرة العدد يبدو عليها الفقر والبؤس بشكل لا يخفى على أحد. والرسالة الإعلامية المقصودة من كل صورة واضحة بالطبع.
وطـُلب من السيدة البدوية أن تبدي رأيها في كل صورة منهما، فنظرت إلى الصورة الخاصة بالأسرة صغيرة العدد وعبرت عن حزنها لأن السيدة التي في هذه الصورة لم ترزق سوى بطفلين فقط، وقالت أن هذه السيدة مسكينة ودعت الله أن يرزقها بمزيد من الأطفال. وفي الوقت نفسه قالت عن الصورة ذات العدد الكبير المليئة بالبؤس والشقاء” هاذي زينة” ، على اعتبار أن لديها عدد كبير من الأطفال أو “ عزوة” ، كما يسميها المصريون.
وبالتالي وصلت الرسالة معكوسة تماماً وتحطم هدف الرسالة التي أعدها متخصصون على صخرة ثقافة هذه المرأة البدوية . وهذا هو مصير الكثير من الرسائل المقروءة والمسموعة والمرئية التي نتعرض لها في حياتنا اليومية .