لا يوجد هناك إعلام محايد على وجه هذه الأرض المليئة بالصراعات والمؤامرات والسعي لتدمير الآخر وضمان استمرار هيمنة الدول الكبرى على مقدرات الدول الأقل قوة، فالإعلام، رغم كل ما سمعناه ونسمعه أداة ضرورية من أدوات الحرب وأدوات الطغيان والاستبداد، وهو أداة أكثر قوة وفعلا في يد القوي الذي يملك القوة والمال.
فكل الدول التي ارتكبت حروبا لا ضرورة لها وقتلت وأشبعت الأرض بالدماء، أوجدت لنفسها الذريعة الأخلاقية التي تبرر هذه الحرب، بل وتمجدها، والأداة في ذلك بطبيعة الحال هي الإعلام، وفي النهاية يفعل التضليل المقيت فعله في اقناع أبناء الدولة المعتدية الغازية بأن جيوشهم قد خرجت لتشن حروبا مقدسة من أجل الحفاظ على القيم الإنسانية وتخليص العالم من الشرور.
هذا ما قاله الإعلام الأميركي والإعلام الغربي لتبرير وتبجيل الحرب على العراق وتصوير مجرمي الحرب على أنهم أبطال يقدمون خدماتهم للإنسانية كلها وليس لبلادهم فقط.
وبعد أن اقتنع العالم بما قامت به آلة الإعلام الجبارة من تقديم الأدلة الدامغة أن العالم بدون صدام حسين سيكون أفضل، قامت جيوش أميركا وبريطانيا بقتل آلاف العراقيين وتشريد الملايين دون ان يرف جفن ولا يرتعد قلب الإعلام الغربي العظيم.
هذا الإعلام الغربي الذي تجاهل استخدام أميركا للفوسفور الأبيض في شوي أجساد أطفال الفلوجة العراقية يقوم اليوم بكل بجاحة بتوجيه اللوم للسعودية ولدول الخليج عموما ويتهمها بعدم القيام بما يجب القيام به تجاه الهاربين من جحيم العراق وسوريا، هذا الجحيم الذي صنعه من صنعه وأشعله من أشعله!
كيف يكون المجد للقتلة ومشعلي الحروب وتجارها، ويكون اللوم ودفع الفواتير عند كل حرب من نصيب أهل الخليج؟ أليس هذا هو التضيل في أشد صوره صفاقة واستخفافا؟
لماذا يقوم الإعلام الغربي بتضخيم ما لا يجب تضخيمه ويتجاهل أشد الجرائم خطورة في حق الانسانية؟ هل رأيتم الإعلام الغربي يطالب بمحاكمة جورج بوش لارتكابه جرائم حرب في العراق، كما يطالب بمحاكمة الرئيس عمر البشير بسبب جرائم تتعلق بدارفور مثلا؟
ألم يتأكد العالم كله وتتأكد من قبله أميركا أن ما يمر به العراق الآن هو بسبب قرارات مجنونة للمحافظين الجدد؟ من المتسبب إذا في هجرة العراقيين للغرب هروبا من جحيم بلدهم الذي دمره بوش وتركه خربا تحلق فوقه الغربان وتجول على أرضه الأفاعي والكلاب الضالة؟
في الماضي صنعوا الإرهاب واستخدموا المتطرفين المسلمين في تحقيق مآربهم، خلال الحرب الباردة وبعد الحرب الباردة، ثم أطلقوا إعلامهم المضلل يجلد العرب والمسلمين كون هؤلاء الإرهابيين الذين صنعوهم لهم وجوه تشبه وجوهنا ولهم بطاقات هوية تبين أنهم مسلمون؟
واليوم يحملوننا نتائج حروبهم التي خربت المنطقة وقضت على اكثر من دولة كبيرة بها وحولتها إلى ساحة للاحتراب والإرهاب وأجبرت شعوبها على الهروب من جحيمها!.