الجهل والتخلف والبداوة أشد خطرا على الشعوب من الدكتاتورية وفساد الحكم،والشعوب المتخلفة هي التي تنتج حكاما فاسدين،لأن الحاكم غالبا يكون من نفس القماشة أو من نفس النسيج الذي صنع منه الشعب الذي يحكمه،وصدق من قال : كما تكونوا يولى عليكم.
وهناك مشاكل وأحداث في بلادنا العربية عندما نتابعها نصاب بالإحباط واليأس وندرك أنه لا فائدة في قيام ثورات تسقط الحكام طالما أن الشعوب نفسها تبقى على بداوتها وتخلفها،لأن هناك الآلاف ،بل الملايين من النسخ من الحكام الذين رحلوا عن الحكم،وبالتالي فإن الحاكم الجديد الذي سيخلف الحاكم المخلوع سيكون واحدا من هذه الملايين وسوف يصبح بالتدريج مثل سابقه،لأن النسيج واحد والثقافة واحدة.
وحتى إذا كان القادم الجديد مختلفا عن سلفه خلقا ودينا وثقافة،فسوف تتمكن هذه الملايين من تحويله تدريجيا إلى ديكتاتور لا يجد سبيلا مضمونا للنجاح والبقاء في الكرسي سوى الاستبداد والظلم.
هذا ليس يأسا أو دعوة لليأس والتيئيس،ولكن ما نراه من أحداث تبين أن الثورات العربية كشفت أسوأ ما في الشعوب العربية من صفات.
انظروا إلى ليبيا التي وصفت القذافي بالدكتاتور الفاسد ونعتته بالمجنون،وهو بالفعل كذلك،ولا يجوز على الميت سوى الترحم عليه،ولكن القذافي لم يكن سوى نموذج واضح للشخصية الليبية بما فيها من عيوب ،وبما فيها من قبلية وبداوة.
لندع جانبا محاولات الاغتيال التي تعرض لها رئيس البرلمان وعمليات الاعتداء التي تعرضت قناة العاصمة والذين يعملون فيها وغيرها من الأحداث،ولنركز على حادثة غاية في القسوة وفي التجبر على الأبرياء الذين لا ذنب لهم.
هي عملية اغتصاب بشعة قام به موظفون أو رجال أمن ليبيين لفتاة مصرية صغيرة أمام والدتها عند جمارك مدينة مساعد الليبية،ولم تثنيهم استغاثات الأم ودموعها عن تنفيذ جريمتهم التي تنم عن أقصى درجات الهمجية والانحطاط الأخلاقي.
ما ذنب هذه الفتاة الصغيرة لكي تتعرض لهذا العدوان الذي لا يقع إلا في أكثر المجتمعات انحطاطا وجهلا؟
عندما كتبت كونداليزا رايس في مذكراتها أن القذافي حاول التحرش بها جنسيا في خيمته العظيمة،امتلأت الدنيا بالسخرية والضحك،على الرغم من أن رايس خرجت من خيمته سالمة ولم تشتك سوى من محاولات غريبة من المراودة إن صح هذا التعبير،فكيف بهؤلاء المجرمين الذين اغتصبوا الفتاة عنوة وأهانوا أمها التي تنتمي إليهم بأواصر الدم والدين؟
كيف لشعوب بهذه الأخلاق أن تنتج حكاما ديمقراطيين أو ضباطا محترمين يتعاملون بالقانون مع المواطنين؟
مع تقديم كل الاحترام لكل الليبيين المحترمين الذين تجري في عروقهم دماء المروءة والشرف الذين يحمون الغريب ويمنعون العدوان عليه،لا الهمج الذين يستغلون ضعف أنثى غريبة ويعتدون على عرضها.