الباب شنودة ..وداعا

الباب شنودة ..وداعا

رحل البابا شنودة الثالث بابا الأقباط بعد عمر حافل بالمواقف الوطنية،فلم يكن يوما إلا وفيا لمصر ووحدتها، رافضا لكل محاولات إشعال الفتنة الطائفية في مصر،رغم أن هذه المحاولات كانت دؤوبة ولاتزال من أجل تدمير مصر من داخلها ودفعها نحو التقسيم.
 البابا شنودة استحق الاهتمام  الاعلامي الكبير،واستحق حزن المصريين من مسلمين وأقباط ،لأنه لم يكن رجلا عاديا،ولكنه رجل صاحب ثقافة موسوعية وصاحب فكر مستنير،وخلال حياته المديدة عمل بأكثر من عمل،فقد كان مدرسا وصحفيا وشاعرا وصاحب فكر سياسي،وفوق كل هذا كان رجلا وطنيا يحب بلده ويرفض الاحتراب الداخلي والاندفاع وراء الذين أرادوا استخدام ملف الأقباط المصريين لتنفيذ أجندات خاصة.
 كنت بالقاهرة عندما  أعلن عن وفاة الرجل ورأيت كيف استقبل المصريون نبأ وفاته،ولم يقتصر الاهتمام على الاخوة المسيحيين الذين تدافعوا لالقاء نظرة الوداع على البابا وسقط منهم ثلاثة خلال الزحام الرهيب الذي حدث،ولكن المسلمين أيضا عبروا عن كامل المودة والاحترام لهذا الرجل الوطني.
 سمعت المسلمين المصريين يتحدثون عن البابا شنودة بتقدير عال لتاريخه وثقافته ويرددون أقواله التي تنم عن حب عميق لمصر،فهو صاحب مقولة “مصر وطن يسكن فينا”،وهو الذي أعلن أنه لن يصلي في القدس ما دامت تحت الاحتلال الاسرائيلي.
البابا شنودة لم يكن أبدا محرضا على الفتنة ولم يكن مرتبطا بمرجعيات خارج مصر ولم تسعده المنظمات التي طالما سكبت دموع التماسيح من أجل أقباط مصر،وظل على موقفه في أحلك الظروف التي مرت بها مصر خاصة في السنوات الأخيرة للنظام السابق.
لقد سمعت الدكتور مصطفى الفقي خلال حلقة تلفزيونية وهو يحكي عن وطنية البابا شنودة ،عندما قال أن الرئيس السابق حسني مبارك أرسله مرة لهذا الرجل ليطلب منه أسماء الشخصيات التي يريد تعينها بمجلس الشعب،حيث كانت تخصص كوتا معينة للمسيحيين في المجلس،وفوجيء بأن البابا شنودة يرشح أسماءا من المسلمين إلى جانب غيرهم من المسيحيين!!،وعندما سأله عن ذلك،أجاب شنودة أنه يختار من يخدم البلد ولا يشترط لديه أن يكون مسيحيا مثله.
البابا شنودة كان ككل المصريين حساسا تجاه  كل ما هو أجنبي حتى وإن كان هذا الأجنبي يرفع شعار الدفاع من مسيحيي مصر،فرفض كل الوصفات القادمة من الخارج،فاستحق مكانه في سجل الوطنيين المخلصين.
المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة،بصفته مسئولا عن إدارة شئون البلاد في مكان رئيس الجمهورية أعلن الحداد العام في مصر لرحيل البابا شنودة.
والأزهر الشريف – هذه المؤسسة الدينية العريقة – تعاملت بكل احترام مع تاريخ البابا شنودة ومع رحيله عن هذه الدنيا.
ومجلس الشعب المصري الذي تهيمن عليه جماعة الاخوان المسلمين قام بما يجب القيام تجاه مواطن مصري يحب بلده،وقام وفد من المجلس برئاسة الدكتور سعد الكتاتني بحضور جنازة البابا،وهذا دليل على احترام مكانة البابا شنودة واحترام شركاء الوطن المسيحيين.
ورغم أن بعض السلفيين من أعضاء مجلس الشعب قد شذوا عن روح المصريين وشذوا عن اللياقة عندما رفضوا الوقوف حدادا كغيرهم لوفاة الرجل،إلا أن مسلكهم لم يفسد الصورة ولم يفسد روح التماسك التي رأيتها عن كثب،فهؤلاء لا يعبرون عن روح الشعب المصري ولا عن روح الاسلام الذي يحترم الآخر ويحترم الموت، مهما كان دين الميت،فالرسول محمد عليه الصلاة والسلام قام لجنازة اليهودي،وعندما سئل عن ذلك،قال:”أليست نفسا”.