المرأة عددياً نصف المجتمع، ومصدر مهم من مصادر التنمية، ولا يمكن للمجتمعات أن ترتقي أو تنهض دونما إفساح المجال لنصفه الآخر لأن يتبوأ مكانته المستحقة في مختلف مجالات النشاط البشري، خاصة في مؤسسات الدولة، كما لن يتحقق تغيير ملموس في وضع المرأة دون أن يسير الإصلاح السياسي جنباً إلى جنب تمكين المرأة وتحريرها بالقضاء على المفاهيم الاجتماعية البالية.
ولما كانت قضايا المرأة نضالية بطبيعتها، حيث ارتباط أهدافها بحدوث تغيير راديكالي في بنية المجتمعات، فإن العمل من اجلها يتطلب أن يكون جماعياً على مستوى الدولة ومؤسسات المجتمع المدني. وبطبيعة الحال فإن المكانة التي يمكن للمرأة أن تحققها، لن تتأتى من فراغ، وإنما للإصلاح السياسي بمختلف برامجه وأدواته وآلياته دور مهم نحو تعزيز تلك المكانة والدفع بها قدماً بخطى ثابتة، حيث تمارس الدولة سلطتها في العمل على دفع حركة المرأة إلى الأمام من خلال مجموعة من التشريعات والإجراءات الرسمية.
ومما لاشك فيه ان أوضاع المرأة والحقوق الممنوحة لها في كافة المجالات والميادين، باتت تشكل ضرباً من ضروب الواجهة الديمقراطية، التي تسعى الدول جميعاً لإبرازها، حيث تشكل التقارير المتعلقة بأوضاع حقوق المرأة احد المؤشرات والدلالات ذات الصلة على ديمقراطية الدولة ومدى التزامها بمعايير حقوق الإنسان والتنمية البشرية المرتبطة بنوع الجنس.
على أنه لابد من الالتفات لضرورة التدارس والتباحث الجاد في مسألة تمكين المرأة البحرينية ومن نمكن من النسوة، فلا تسرقنا شعارات التمكين وواجهته عما نطمح إليه من تمكين فعلي على أرض الواقع، والبحرين قادرة على ذلك في ظل قيادة رشيدة ومشروع إصلاحي أعطى المرأة حقوقاً لم تنلها خلال مئة عام مضت، وفي ظل الجهود الجبارة لسمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم في مجال دعم المرأة البحرينية وصنع تقدمها.
فالمرأة شأنها شأن الرجل من حيث تفاوت الكفاءة والقدرات، ومثلما نحارب بعض السياسات الخاطئة المتمثلة في عدم وضع الإنسان المناسب في مكانه المستحق، فإن الوضع مع المرأة أكثر حساسية، لأن مفهوم “تمكين المرأة” مفهوم حديث نسبيا على المجتمعات العربية، وربما يجد من يواجهه على المستوى الاجتماعي، وقد يؤدي الدفع بالمرأة غير الكفء لتبوأ المناصب والمواقع المهمة إلى شل وإعاقة عملية الإصلاح، لأنها قد تشكل وبالاً على المشروع الإصلاحي، وتفتح باباً للتشكيك في قدرات المرأة ومدى صلاحيتها لتبوء المناصب التي يريدها الرجال لأنفسهم فقط، وهذا ما لا نرجوه. من هنا كان حرياً بالحكومات الحرص على انتقاء وتمكين من يستحق من النساء لهذا المنصب أو تلك الوظيفة، فالعبرة ليست بالكم، وإنما بالكيف..
هذا الكلام ينطلق من منطلق الحرص على نجاح المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، وبالأخص فيما يعنى بملف تمكين المرأة، ذلك لأن المرأة في منطقة الخليج العربي- والبحرين جزء منها- تمر بمرحلة انتقالية تتحسس وقع خطاها، وهذه المرحلة قابلة لأن تشهد الكثير من المتناقضات، كالاشتباك بين المرأة والمرأة من جهة أو حالة “الشيزوفرينيا” التي عبر عنها المفكر البحريني الكبير محمد جابر الأنصاري من جهة أخرى، التي تصيب المجتمع بأسره، وتتلخص في أن كثيراً ممن يؤيدون المرأة سياسياً يتخلون عن قناعتهم هذه بمجرد وصولهم لصناديق الاقتراع.