بعد أن نجحت الثورة المصرية في إزاحة النظام السابق، هل ينجح المصريون في المرحلة الانتقالية الحالية؟ هذه المرحلة التي لا تقل خطورة عن المرحلة السابقة، بل تعد المرحلة الأخطر والأشد حساسية في تاريخ مصر الحديث، لأنها ستحدد الطريق الذي ستسير فيه مصر بعدها.
بعد سقوط النظام السابق انطلقت قوى كثيرة من عقالها وبدأت تتنسم الحرية بعد عصور من التهميش والحرمان والقمع، وفي مقدمة هذه القوى جماعة الإخوان المسلمين التي كانت التيار المعارض الحقيقي في عهد النظام السابق، وكانت تنال تعاطف كثير من المصريين، خاصة المهمشين منهم والذين عانوا من الظلم الاجتماعي، وهذا وضع طبيعي على اعتبار أنها كانت التيار الوحيد الذي يقف في وجه الحزب الوطني الحاكم، وبالتالي كان ينطبق على شريحة ممن يصوتون لصالح الإخوان المسلمين مقولة»ليس حبا في علي، ولكن كرها في معاوية».
الإخوان المسلمون في مصر يتوقعون لأنفسهم ويتوقع لهم الكثيرون أن ينالوا أغلبية خلال الانتخابات البرلمانية القادمة، فهل هم مستعدون فعلا للعب الدور الأساسي في صنع السياسة المصرية في الداخل والخارج وإدارة شئون البلاد، أم أنهم سينالون غضب الجماهير بعد فترة قصيرة من الزمن، خاصة وأن مصر في المرحلة الحالية، كما وصفها أحد المحللين، كالمريض في غرفة الإنعاش، وستحتاج إلى فترة نقاهة طويلة لكي تسترد عافيتها.
مصر لديها مشكلات اقتصادية واجتماعية لا حصر لها، لديها بطالة، ولديها نقص في الرعاية الصحية، ولديها مشكلات في التعليم، ولديها انفلات أمني يهدد استقرارها لفترة طويلة، بعد أن ضاعت هيبة الشرطة، فهل يستطيع الإخوان تحمل هذه التركة الثقيلة، خاصة وأن المصريين لن يقبلوا تبريرات ولن يقبلوا تسويفات خلال المرحلة القادمة، فقد نجحوا في إزالة نظام لم يكن في خيال أحد أن ينجحوا في إسقاطه، وبالتالي فإن تكرار الثورة أمر وارد بعد أن زال الخوف وزالت الدولة البوليسية.
ولا يجب أن ننسى أن هناك تيار ديني آخر دخل إلى ميدان السياسة المصرية، وهو الذي كان بعيدا عنها وليس لديه أدنى خبرة بها، وهو التيار السلفي الذي أقبل بقوة وأعلن عن نفسه بشكل يدعو إلى القلق.
هذا التيار السلفي يتوقع له ألا يكون على وفاق مع الإخوان بسبب اختلاف المنهج، فالإخوان يعتمدون على منهج التربية التدريجية ولديهم قدر من المرونة بسبب خبرتهم الطويلة في عالم السياسة، ولكن السلفيين يريدون على الفور تطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها، ويريدون إعادة النساء إلى بيوتهن فورا وإلغاء الفن وإحداث انقلاب في مجال الإعلام وتغيير وجه الحياة في دولة بها تعددية ثقافية، وبها ديانة أخرى هي المسيحية.
ولذلك فمن المتوقع أن يكون الإخوان أمام تحديين أساسيين، أحدهما كيفية التعايش مع التيار السلفي الذي لا يقل أتباعه عددا عن أتباعهم، خاصة وأنهم قد عرفوا طريقهم إلى ميدان التحرير، وثانيهما هو تحمل هذه التركة الثقيلة التي تركها النظام السابق.
وللحديث بقية