الشيخ عيسى قاسم في خطبة الجمعة الماضية فعل كما يفعل في كل الجمع وتحدث في الشأن السياسي للبلاد أكثر من حديثه عن الدين وقضاياه، وبما أن موضوع الساعة حاليا هو الحوار الوطني، فقد صال وجال الشيخ في تفاصيل هذا الحوار.
الشيخ بدأ بجملة رائعة منمقة قال فيها: إن “من الظلم البيّن الفاحش للوطن وأهله أن يسعى ساعٍ لتخريب الحوار، ووضع العصا في عجلته تبعيداً للحل وإضراراً بالوطن”.
عندما قرأت هذه الجملة توقفت قبل أن أكملها وفركت عيني وأعدت القراءة من أول الجملة مرة أخرى، ثم عدت للخبر من بدايته لأتأكد أن الكلام يخص الشيخ وليس أي شخص آخر، وكدت أمسك بقلمي لأكتب رسالة شكر لسماحته على حسه الوطني وخوفه على مستقبل هذا البلد الذي يتعرض للعنف والإرهاب الذي يطل برأسه من وقت لآخر.
إلا أنني عندما قرأت الجملة التالية وجدت أن الشيخ قد وضع شجرة كاملة في دولاب الحوار ولم يكتف بوضع عصا صغيرة حسب التعبير الذي استخدمه في جملته الأولى.
الجملة التالية التي محت كل المعاني التي وردت في سابقتها تبدو هي الأخرى طيبة إذا نزعت من سياقها الذي استخدمت فيه والتوقيت الذي استخدمت فيه، واستخدمت بمعناها العام البعيد عن الشأن البحريني وأجواء الحوار الحالي التي تتطلب من كل صاحب ضمير أن يعمل على ترطيب هذه الأجواء وعدم سكب الزيت على النار.
الشيخ قال: “وأشد ظلماً لهذه الأرض وإنسانها وحاضرها ومستقبلها أن يستهدف الحوار أن يكون لإقرار الظلم وتكريسه، وإضفاء الشرعية عليه وإبقاء الوضع السياسي على فساده وإفرازاته القاتلة على ما هي من سوء وقتامة”.
ألا يعلم الشيخ ما الذي يمكن أن تفعله هذه الجملة بنفوس من أتوا ليؤدوا الصلاة خلفه؟ هذه الجملة يمكن أن تعكر الخليج العربي كله وليس فقط عقول وقلوب المصلين الذين يستمعون لخطبة الشيخ.
لو كانت البحرين مملوءة بالوئام والتعايش وخالية من الطائفية المقيتة، لكانت جملة الشيخ كافية لقتل هذا الوئام ولإخراج عفريت الطائفية من الزجاجة ليعيث فسادا في أرضها! فما بالنا والأجواء مشتعلة ورائحة الطائفية العفنة تزكم الأنوف وتخنق الصدور؟.
الشيخ تحدث عن الظلم وتكريسه وعن فساد الوضع السياسي وإفرازاته القاتلة، وعن سوء وقتامة هذه الإفرازات!.
فهل هذا كلام يمهد لنجاح حوار؟ هذا كلام يكفي لشحن جيش بأكمله وإعداده للحرب وليس للحوار! فهل يريد الشيخ أن ينجح الحوار بعد كل هذا الذي قاله، أم يريد أن يحرق البلد؟.
هذه العبارات القاسية التي استخدمها الشيخ، وهو يقف على المنبر، لا تصف نظاما يفتح باب الحوار ويسمح بالإصلاح حتى وإن كان إصلاحا تدريجيا، ولكنها تصف الأنظمة التي تكمم الأفواه وتمنع أمثال الشيخ من توجيه النقد لها ونعتها بالفساد خلال صلاة الجمعة.